مکتبة الطالب (2) معرفة الله

اشارة

مکتبة الطالب(2)

معرفة الله

مرکز المصطفی للدراسات الإسلامیة

برعایة المرجع الدینی الأعلی السید السیستانی

الطبعة الأولی 1427

الناشر دارالهدی – قم

الکتاب:..............معرفة الله

المؤلف:..............علی الکورانی العاملی

الطبعة:....................الأولی

العدد:.................................10000نسخة

1427 هجریة - 2006 میلادیة

ص: 1

اشارة

ص: 2

ص: 3

مقدمة

بسم الله الرحمن الرحیم

الحمد لله رب العالمین وأفضلُ الصلاة وأتمُّ السلام

علی سیدنا ونبینا محمد وآله الطیبین الطاهرین

وبعد، فقد زاد الطلب علی المعرفة الدینیة المُیَسَّرة ، عن طریق الکُتَیِّبَات بدل الکتب المفصلة ، بسبب کثرة مشاغل الحیاة ، والفضائیات ، وشبکة النت ، فصار أکثر الناس وخاصة الشباب

ص: 4

یمیلون الی الخلاصات العلمیة والکتب الصغیرة .

وقد أردنا أن تکون هذه السلسلة الثقافیة مکتبة صغیرة للطالب تشمل معالم الإسلام ، وتُقدم لأبنائنا الأعزاء

أهم المسائل التی یحتاجون الیها فی أمور دینهم .

ونبدأ بمعرفة الله تعالی فی ثلاثة فصول: أولها ، معرفة وجوده والإیمان به عز وجل ، وأهم الأدلة علی ذلک .

والثانی ، فی معرفة توحیده وأسمائه الحسنی وصفاته ، تبارک وتعالی ، والعقیدة الصحیحة فیها ، ونقد الإنحرافات عنها .

والفصل الثالث ، فی معرفة عبادته عز وجل والتکامل بطاعته ، وبیان نوع المعرفة والعرفان الصحیح ، والطرق الخاطئة فی العبادة والعرفان . والله ولی القبول والتوفیق .

مرکز المصطفی للدراسات الإسلامیة

علی الکَوْرانی العاملی

غرة ربیع الثانی1427

ص: 5

الفصل الأول: معرفة وجود الله والإیمان به عز وجل

اشارة

ص: 6

ص: 7

الإلحاد أسوأ من الجنون

أسوأ من المجنون ، لأن الجنون مرض غیر إرادی والإلحاد مرض إرادی . ولأن المجنون لا یتحکَّم فی عمل عقله ، والملحد یُجبر عقله علی العمل بعکس طبیعته !

ولهذا کان معنی الملحد فی اللغة: (الذی یمیل عمداً عن الخط الصحیح لمساره) ، وسمی منکر وجود الله تعالی ملحداً، لأنه یتعمد المیل عن المسار الطبیعی لعقله وفطرته !

ذلک أن العقل والفطرة یقولان له: هذا أنت ، والأرضُ التی تقفُ علیها ، والهواء الذی تعیشُ علیه ، والطبیعةُ من حولک ، والکونُ من فوقک..کلها متقنةٌ بإبداع وإعجاز ، وقوانین عمیقة مدهشة ، فبالضرورة أن لها خالقاً مبدعاً !

یقولان له: محالٌ أن یکون الکون خلق نفسه ، لأن أشیاءه جمیعاً لها عمر ، ومعناه أنها فی (یوم) ما ، لم تکن موجودة لا هی ولا شئ من موادها ، ولا زمانها ولا مکانها ، (ثم) حدث (فجأة)أن وجدت ! فالذی دفعها من العدم الی الوجود (کان) قبلها !

ص: 8

قال الشریف المرتضی(قدسّ سرّه)فی الفصول المختارة/76: (دخل أبو الحسن علی بن میثم(رحمه الله)علی الحسن بن سهل(الوزیر)وإلی جانبه مُلْحِدٌ قد عظَّمَهُ والناس حوله، فقال: لقد رأیت ببابک عجباً ! قال: وما هو؟ قال: رأیت سفینة تَعْبُرُ بالناس من جانب إلی جانب بلا ملاح ، ولا ماصِر(مسؤول حرکة السفن) ! قال فقال له صاحبه الملحد وکان بحضرته: إن هذا أصلحک الله لَمَجنون ! قال فقلت: وکیف ذاک؟ قال: خشبٌ جمادٌ لا حیلة له ولا قوة ولا حیاة فیه ولا عمل کیف یَعْبُرُ بالناس؟ قال فقال أبو الحسن: فأیهما أعجب؟ هذا أو هذا الماء الذی یجری علی وجه الأرض یَمْنَةً ویَسْرةً بلاروح ولا حیلة ولا قوی، وهذا النبات الذی یخرج من الأرض، والمطر الذی ینزل من السماء ، تزعم أنت أنه لا مدبر لهذا کله وتنکر أن تکون سفینة تتحرک بلا مدبر وتعبر بالناس ! قال: فبهت الملحد ) ! وکنز الفوائد/131.

هل یتعمد الملحد الإنحراف عن الفطرة؟

نعم ، الملحد یتعمد معاکسة عقله وفطرته ، لأن غایة ما یمکن للإنسان أن یدعیه هو الشک فی وجود خالق للکون ، فیقول إنه لایدری هل لهذا الکون خالق أم لا؟ أما أن ینفی وجود الخالق عز وجل ویقول (لایوجد إله خالق) ! فذلک یتوقف علی أن یکون

ص: 9

محیطاً بالکون المنظور وغیر المنظور ، حتی یستطیع أن ینفی !

ولا یوجد إنسان محیط بالکون ولا بنفسه !

أما لماذا یتعمد الملحد إنکار وجود الله تعالی؟

الجواب: لأنه إذا اعترف بوجود الله تعالی اعترف بأنه مخلوقٌ له وصنیعته وعبده ، فعلیه طاعته والخضوع له والصلاة له ! وهو لایرید أن یکون عبداً ، بل.. إلهاً ! فلا طریق أمامه إلا أن یرفض أدلة العقل وبراهینه ونداء الفطرة ، ویتکبر علی ربه ویکابر أمام الدلیل !

سأل أحدهم الإمام الصادق(علیه السّلام):عن أدنی الإلحاد؟ قال: (إن الکِبْرَ أدناه).(الکافی:2/309) ووصف(علیه السّلام)قول إبلیس: أَنَا خَیْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِی مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِینٍ ، بأنه: (عتی عن أمر ربه وألحد ، فتوارث الإلحاد ذریته).(تحف العقول/406).

وروی أن نمروداً لمَّا رأی النار صارت برداً وسلاماً علی إبراهیم (علیه السّلام)أحضره وسأله: من أنجاک ؟! قال: ربی ورب العالمین . فقال نمرود لمن حوله: لقد نفعه ربه ، فمن أراد أن یتخذ رباً فلیتخذه مثل رب إبراهیم ! یقصد أنه هو وأمثاله لا یحتاجون الی اتخاذ رب ! وبذلک حرَّف نمرود القضیة من الإعتراف بحقیقة موضوعیة ، وجعلها حاجة لبعض الناس لأن یتخذ رباً ، أما هو فلا یحتاج !

إن جریمة الملحد أنه قرر مسبقاً أن ینفی وجود الله تعالی ، وأن

ص: 10

یرد الأدلة علی مهما کانت قویة ! فهو بذلک یعاند العقل والفطرة السویین ، ویرفض الإقتناع رغم وجود مبرراته الموضوعیة !

وهذا هو الظلم والعلو الذی قال الله تعالی عنه: وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَیْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً ، فَانْظُرْ کَیْفَ کَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِینَ .

الکوْن.. لم یکن ثم کان..فکیف بدأ؟

من الأمور المتفق علیها أن للأرض عمراً وللنجوم عمراً ، ولکل شئ فی الکون عمراً.. سواء کان لحظة أو ملایین السنین أو بلایینها ، وهو یعنی أنا إذا رجعنا الی الوراء فی عمر الکون نصل الی نقطة العدم المحض (حیث) لم

یکن الکون ، ثم کان !

إن کل البحث فی هذه النقطة: لم یکن شئ ، ثم انبثقت أول نقطة من الوجود مهما فرضناها ، فهل وُجدت بدایة الکون من العدم المحض بدون خالق خلقها ؟

ما دام الکون ممکن الوجود والعدم ، فمن الذی رجَّحَ کَفَّة وجوده علی عدمه؟ إن ممکن الوجود یستحیل أن یوجد إلا بواجب وجود یدفعه من العدم الی الوجود . وذلک هو الله سبحانه وتعالی: إِنَّمَا أَمْرُهُ إذا أَرَادَ شیئاً أَنْ یَقُولَ لَهُ کُنْ فَیَکُونُ . (یّس:82)

ص: 11

إنک بقبولک أن للکون عمراً ، قبلتَ أن احتمال وجود الکون وعدمه کانا متساوییین، وأنه یستحیل ترجیح أحدهما بلا مرجح ، فلا بد من الإعتقاد بوجود إلهٍ من غیر نوع الکون أوجده . إن مجرد وجود ممکن الوجود ، دلیل علی وجود واجب الوجود عز وجل .

لماذا یهرب الملحد من البحث العلمی

جرت لنا مع عدد من الملحدین نقاشات فی شبکات النت وقد أصدرنا خلاصتها فی کتاب (ثمار الأفکار) ورأیناهم یهربون من النقاش العلمی ،لأن بضاعتهم الإنکار والمکابرة لا غیر !

ومما وجهناه الیهم: 1- سؤال للمادیین: هل الحسُّ محسوس؟!

فقد بنوا فکرهم ودینهم علی النظریة الحسیة القائلة: کل شئ غیر محسوس فهو غیر موجود ! فهم یؤمنون بوجود الحس ویجعلونه أصل نظریتهم ، وقد غفلوا عن أن الحس من الغیب غیر المحسوس !

فإن قالوا یعرف الحس بالحس فبأی الحواس؟ بالبصر أو السمع أو الشم أو الذوق أو اللمس؟! وإن قالوا یعرف بالعقل فقد اعترفوا بموجود غیر محسوس یدرکه العقل وبطلت نظریتهم الحسیة !

وبما أنهم لم یجیبوا علی هذا السؤال ، فمعناه أنهم یقرون بأن

ص: 12

النظریة المادیة مبنیة علی أمر غیر مادی (غیبی) ! ویضطرون الی موافقتنا فی أن الحقائق منها ما یعرف بطریق الحس ومنها بطریق العقل ، وکلها حقائق لا فرق بینهما من هذه الجهة .

2- ومن نوع هذا السؤال: الأذن..والسمع..أیهما الموجود؟

وهو سؤال یعجز عن جوابه من لا یؤمن بالله تعالی ! فهل تسمع بسمعک أم بأذنک؟ وهل الموجود الأذن والسمع کلاهما.. أم الأذن فقط؟! فالأذن والأعصاب تنقل الذبذبات الی المخ، وهی موجودات محسوسة ، ولک سمعٌ تسمع به وهو وجودٌ غیر محسوس !

وفی الحقیقة أن الأذن لیست هی التی تسمع ، بل هی جهاز ینقل الذبذبات کأی طبلة وأسلاک ، والمخ لیس هو الذی یسمع ، بل هو جهاز ینقل الإشارات الی السمع ، فهذا السمع إن کان موجوداً مادیاً فأین هو وأین مکانه؟ وإن لم یکن موجوداً فلا یمکن أن نسمع ! ولاجواب إلا أنه موجود غیر مادی عرفناه بالعقل ، فهو غیبی !

فالسمع موجودٌ مستقل ولیس انعکاساً مادیاً لأدواته حتی یکون وجوده بوجودها ، فلو لم توجد فهو موجود ، ولو وجدت وسیلة أخری غیر الأذن ، تؤدی دورها لحصل السمع ، فالسمع غیر أدواته ! وإن أصروا علی أن السمع أثر للمادة ، یبقی السؤال: هو أثرٌ مادی أم غیر مادی، فإن کان مادیاً فأین هو؟وإلا فقد سقطت النظریة الحسیة !

ص: 13

إن الصحیح فی السمع والحس أنه موجود بوجود مستقل عن الجسم ، وأنه قوةٌ من قوی الروح التی ترتبط بالبدن بنحو تتقبل رموز تفاعلاته المادیة ، وتترجمها الی مدرکات !

إن الذی یکلمک لیس بدن مخاطبک بل روحه، بوسیلة آلیة معینة.. والذی یفهم منه ویجیبه لیس بدنک بل روحک ، بواسطة آلیة معینة ! قال الله تعالی: وَیَسْأَلُونَکَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّی وَمَا أُوتِیتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلا قَلِیلاً. (الإسراء:85). وستبقی معلومات البشر عن الروح قلیلة، وستبقی روح المؤمن والملحد التی بین جنبیه لغزاً ، بها یحیا ویفکر ویتساءل ولایعرف عنها إلا أقل القلیل ! وکلما کشفوا معلومة منها انکشفت جوانب أکثر إعجازاً وإلغازاً !

إن الروح حقیقة صارخة ، تجعل الإنسان خاضعاً أمام خالقها ومقنن قوانینها ! لکن أین أصحاب العقول غیر المدخولة؟!

إن للروح قوانینها الخاصة وزمانها ومکانها الخاصَّیْن ، وإن کانت مرتبطة بالبدن والزمان والمکان! (وَمَا أُوتِیتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلا قَلِیلاً).

3- وسؤالان آخران للقائل بالحقیقة النسبیة: الأول: هل وجودک أنت حقیقة یقینیة ثابتة أم نسبیة؟ ومهما أجاب فقد أسقط نظریته .

والثانی: سؤاله عن نظریته نفسها هل هی قاعدة مطلقة أم نسبیة؟

ص: 14

فإن قال مطلقة فقد نقضها ، وإن قال نسبیة فقد کذبها .

إنه لا بد للإنسان أن یؤمن بوجود حقائق مطلقة ثابتة فی کل الأحوال وهی التی نسمیها البدیهیات الأولیة(لا الثانویة).مثلاً: حقیقة أن الکل أکبر من الجزء ، أمرٌ ثابت علی کل حال مادام الکل کلاً والجزء جزءً، فی کل العلوم وفی کل العصور حتی یرث الله الأرض ومن علیها، ثم فی الآخرة ، إلا أن یخرجا عن کونهما کلاً وجزءً .

والحقائق الریاضیة البسیطة ثابتة أیضاً مثل أن(2(قدسّ سرّه)2=4) فما دام العدد والجمع بهذا المعنی فالنتیجة ثابتة . وحتی لو تغیر معناهما فهو لا ینقض ثبات القاعدة .

وأوضح منه قاعدة: أن الشئ لا یکون موجوداً وغیر موجود فی آن واحد فی مکان واحد فی ظروف واحدة (قاعدة استحالة التناقض) فهی ثابتة فی کل الحالات ، بدیهیةٌ عند کل إنسان لأنها مخلوقة فی فطرته وتنمو بنمو عقله ، فعندما تعطی طفلک شیئاً فی یده ثم تأخذه منه وتسأله أین هو؟ لا یفتش عنه فی یده ! ولو قلت له: فی یدک ولیس فیها لم یقبل منک ، لأن عقله یعلم أن التناقض محال !!

إن هذه المعلومات الثابتة رأس مال موهوبٌ من الله تعالی لکل إنسان ، مع قدرة علی الإتجار به لکسب مجهولات جدیدة ، بما یسمی عملیة التفکیر والإستدلال .

ص: 15

وبعضهم یسمی النتیجة الخاطئة حقیقة بالنسبة الی صاحبها ! لکنه مجاز ، لأن الحقیقة الموضوعیة واحدة ، لا تتبع خطأ الإنسان فی الإستدلال .

الطرق العلمیة لمعرفة الله تعالی

توجد ثلاث طرق لمعرفة الله تعالی والمعرفة الإنسانیة عموماً:

1- طریق الکشف الذاتی: فإن خاصة أولیاء الله تعالی یعرفونه به: سَنُرِیهِمْ آیَاتِنَا فِی الآفَاقِ وَفِی أَنْفُسِهِمْ حَتَّی یَتَبَیَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ یَکْفِ بِرَبِّکَ أَنَّهُ عَلَی کُلِّ شَئْ شَهِیدٌ . (فصلت:53) .

وفی دعاء أمیر المؤمنین(علیه السّلام):(یامن دلَّ علی ذاته بذاته)(البحار:84/339). وفی دعاء الإمام الحسین(علیه السّلام):(متی غبتَ حتی تحتاج إلی دلیل یدل علیک ، ومتی بَعُدْتَ حتی تکون الآثار هی التی توصل إلیک؟! عَمِیَتْ عینٌ لا تراک علیها رقیباً). (البحار:64/142).

وفی دعاء الإمام زین العابدین(علیه السّلام): (بک عرفتُک وأنت دللتنی علیک ودعوتنی الیک ، ولولا أنت لم أدر ما أنت ).(البحار:95/82 ).

2- دلیل العِلِّیَّة: فکل إنسان إذا نظر إلی نفسه وما حوله ، یدرک أن عدم وجود هذا الشئ أی شئ لیس محالاً ، بل وجوده وعدمه

ص: 16

ممکن ، فذات الشئ لا تتضمن ضرورة وجوده أو ضرورة عدمه ، وهو یحتاج إلی سبب من یوجده ، وبما أن کل جزء من أجزاء العالم یحتاج إلی من یعطیه وجوده، فمن الذی أعطاه الوجود ؟!

إن قیل إنه خلق نفسه ، فیقال: إنه لا یتضمن وجود نفسه، فکیف یمکن أن یکون سبباً وفاقد الشئ لا یعطیه . وإن قیل أعطاه الوجود موجودٌ آخر مثله، یقال: هذا الآخر المماثل عاجزٌ عن إعطاء الوجود لنفسه أیضاً فکیف یعطی الوجود لغیره؟! وهذا الحکم یجری علی کل جزء فی العالم ، فعندما نری فضاء مضیئاً لا نور له من ذاته ، نحکم بوجود مصدر لهذا النور یکون نوره بذاته لا بغیره ، وإلا لکان أصلُ وجود فضاء منیر مستحیلاً ! لأن المظلم بنفسه محال أن یضئ نفسه ، فضلاً عن أن یضئ غیره !

من هنا کان نفس وجود هذه الموجودات دلیلاً علی وجود مصدر لا یحتاج إلی غیره ، وهو الدلیل العلمی الذی قال عنه تعالی: أم خُلِقُوا مِنْ غَیْرِ شَئٍ أم هُمُ الْخَالِقُونَ. (الطور:35).

وقد سأل رجل الإمام الرضا(علیه السّلام):(یا ابن رسول الله ما الدلیل علی حدوث العالم؟ فقال: أنت لم تکن ثم کنت ، وقد علمت أنک لم تُکوِّنْ نفسک ولا کوَّنک من هو مثلک). (البحار:3/36).

3- دلیل النظم الکونی: فکل ما فی الکون مخلوق علی قواعد

ص: 17

وأصول بعلم وحکمة ، من أصغر ذراته الی أکبر مجراته !

ونأخذ مثالاً من النبات: فلو وجدت ورقة ملقاة فی بریة ، مکتوباً علیها حروف الأبجدیة مرتبةً من الألف إلی الیاء ، فإن ضمیرک یشهد بأن کتابة هذه الحروف ناتجٌ عن فهم وإدراک. وإذا رأیت جملةً مؤلفةً من تلک الحروف والکلمات فستؤمن بعلم الکاتب ، وتستدل بنظم الکلمات ودقتها علی علمه وحکمته.

فهل أن تکوین نبتة فی البریة من عناصرها الأولیة ، أقل من سطر فی کتاب؟! فلماذا نستدل بالسطر علی علم کاتبه ، ولا نستدل بالنبتة علی خالقها عز وجل؟!

فأی علم وحکمة أعطی الماء والتراب سراً یبعث الحبة من یبسها وموتها نباتاً حیاً سویاً؟ وأعطی لجذرها قدرة تشق بها الأرض وتحصل علی قوتها وغذائها فی ظلمة التراب ، وهیأ فی مائدة التراب الغنیة أقوات النباتات والأشجار، کل یجد فیها غذاءه؟!

وأی قدرة وحکمة خلقت الجذور واعیةً لعملها، ضاربةً فی أعماق التربة. والجذوع والفروع باسقةً الی أعلی الفضاء ! یکافح کل منهما قانوناً یضاده ویمضی فی مساره،هذه فی الأعماق وهذه فی الآفاق؟!

إن التأمل فی شجرة واحدة وأنظمتها ، من عروقها الی آلاف أوراقها، یبعث فی الإنسان الدهشة والذهول أمام علم الخالق وقدرته

ص: 18

اللامتناهیة:(أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأرض وَأَنْزَلَ لَکُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَاکَانَ لَکُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا أَإِلَهٌ مَعَ اللهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ یَعْدِلُونَ). (النمل:60). (راجع مقدمة منهاج الصالحین للوحید الخراسانی)

من استدلالات أهل البیت الطاهرین(علیهم السّلام)

1- جاء رجل من الزنادقة الی الإمام الرضا(علیه السّلام)فقال له:(رحمک الله أوجدنی کیف هو وأین هو؟ فقال: ویلک إن الذی ذهبت إلیه غلط ، هو أیَّنَ الأیْنَ بلا أین ، وکیَّفَ الکیفَ بلا کیف ، فلا یُعرف بکیفوفیة ولا بأینونیة

، ولا یُدرک بحاسة ، ولا یُقاس بشئ ! فقال الرجل: فإذاً إنه لا شئ ، إذا لم یدرک بحاسة من الحواس !

فقال أبو الحسن(علیه السّلام): ویلک ! لما عجزت حواسک عن إدراکه أنکرت ربوبیته؟! ونحن إذ عجزت حواسنا عن إدراکه أیقنا أنه ربنا بخلاف شئ من الأشیاء ! قال الرجل: فأخبرنی متی کان؟ قال أبو الحسن: أخبرنی متی لم یکن فأخبرک متی کان ! قال الرجل: فما الدلیل علیه؟فقال أبو الحسن: إنی لما نظرت إلی جسدی ولم یمکنی فیه زیادة ولا نقصان فی العرض والطول ، ودفع المکاره عنه وجر المنفعة إلیه ، علمت أن لهذا البنیان بانیاً فأقررت به. مع ما أری من دوران الفلک بقدرته ، وإنشاء السحاب

ص: 19

وتصریف الریاح ومجری الشمس والقمر والنجوم ، وغیر ذلک من الآیات العجیبات المبینات، علمتُ أن لهذا مقدراً ومنشئاً). (الکافی:1/78) .

2- عن أحمد بن محسن المیثمی قال: کنت عند أبی منصور المتطبب فقال: أخبرنی رجل من أصحابی قال: کنت أنا وابن أبی العوجاء وعبد الله بن المقفع فی المسجد الحرام فقال ابن المقفع ، ترون هذا الخلق ، وأومأ بیده إلی موضع الطواف ، ما منهم أحد أُوجبُ له إسم الإنسانیة إلا ذلک الشیخ الجالس ، یعنی أبا عبد الله جعفر بن محمد‘. فأما الباقون فرعاع وبهائم ! فقال له ابن أبی العوجاء: وکیف أوجبتَ هذا الإسم لهذاالشیخ ، دون هؤلاء؟ قال: لأنی رأیت عنده ما لم أره عندهم ! فقال له ابن أبی العوجاء: لابد من اختبار ما قلت فیه منه . قال فقال ابن المقفع: لا تفعل فإنی أخاف أن یفسد علیک ما فی یدک . فقال: لیس ذا رأیک ، ولکن تخاف أن یضعف رأیک عندی فی إحلالک إیاه المحل الذی وصفت ! فقال ابن المقفع: أما إذا توهمت علیَّ هذا فقم إلیه ، وتحفظ ما استطعت من الزلل ، ولا تثنی عنانک إلی استرسال فیسلمک إلی عقال . وسِمْهُ مالک أو علیک . قال: فقام ابن أبی العوجاء وبقیت أنا وابن المقفع جالسین، فلما رجع إلینا ابن أبی العوجاء قال: ویلک یا ابن المقفع ما هذا ببشر! وإن کان فی الدنیا روحانیٌّ یتجسد إذا شاء ظاهراً ، ویتروَّح إذا شاء باطناً، فهو هذا ! فقال له: وکیف ذلک؟ قال: جلست إلیه فلما لم یبق عنده غیری ابتدأنی فقال: إن یکن الأمر علی ما یقول هؤلاء ، وهو علی ما

ص: 20

یقولون ، یعنی أهل الطواف ، فقد سلموا وعطبتم ، وإن یکن الأمر علی ما تقولون ، ولیس کما تقولون ، فقد استویتم وهم ! فقلت له: یرحمک الله وأی شئ نقول وأی شئ یقولون؟ ما قولی وقولهم إلا واحداً ! فقال: وکیف یکون قولک وقولهم واحداً ؟ وهم یقولون: إن لهم معاداً وثواباً وعقاباً ، ویدینون بأن فی السماء إلهاً ، وأنها عمران . وأنتم تزعمون أن السماءخراب لیس فیها أحد ؟ قال: فاغتنمتها منه فقلت له: ما منعه إن کان الأمر کما یقولون أن یظهر لخلقه ویدعوهم إلی عبادته حتی لایختلف منهم اثنان ! ولم احتجب عنهم وأرسل إلیهم الرسل؟ ولو باشرهم بنفسه کان أقرب إلی الإیمان به ؟ فقال لی: ویلک وکیف احتجب عنک من أراک قدرته فی نفسک: نُشوءک ولم تکن ، وکبرک بعد صغرک ، وقوتک بعد ضعفک ، وضعفک بعد قوتک ، وسقمک بعد صحتک ، وصحتک بعد سقمک ، ورضاک بعد غضبک ، وغضبک بعد رضاک، وحزنک بعد فرحک ، وفرحک بعد حزنک وحبک بعد بغضک ، وبغضک بعد حبک ، وعزمک بعد أناتک ، وأناتک بعد عزمک ، وشهوتک بعد کراهتک وکراهتک بعد شهوتک ، ورغبتک بعد رهبتک ورهبتک بعد رغبتک ، ورجاءک بعد یأسک ویأسک بعد رجائک ، وخاطرک بما لم یکن فی وهمک ، وعزوب ما أنت معتقده عن ذهنک .

وما زال یُعدِّد علیَّ قدرته التی هی فی نفسی التی لا أدفعها حتی ظننت أنه سیظهر فیما بینی وبینه!). (الکافی:1/74).

ص: 21

3 - قال محمد بن إسحاق:إن عبد الله الدیصانی(ملحد معروف)سأل هشام بن الحکم فقال له: ألک رب؟ فقال: بلی ، قال أقادرٌ هو ؟ قال: نعم قادر قاهر. قال: یقدر أن یدخل الدنیا کلها البیضة لا تکبر البیضة ولا تصغر الدنیا؟ قال هشام: النظرة(أی أمهلنی) فقال له: قد أنظرتک

حولاً ، ثم خرج عنه فرکب هشام إلی أبی عبد الله(الإمام الصادق(علیه السّلام))فاستأذن علیه فأذن له فقال له: یا ابن رسول الله أتانی عبد الله الدیصانی بمسألة لیس المعول فیها إلا علی الله وعلیک، فقال له أبو عبدالله(علیه السّلام):عن ماذا سألک؟فقال قال لی:کیت وکیت، فقال أبو عبد الله(علیه السّلام):یا هشام کم حواسک؟ قال خمس. قال: أیها أصغر؟ قال الناظر، قال: وکم قدر الناظر قال: مثل العدسة أو أقل منها . فقال له: یا هشام ! فانظر أمامک وفوقک وأخبرنی بما تری ، فقال: أری سماء وأرضاً ودوراً وقصوراً وبراری وجبالاً وأنهاراً . فقال له أبو عبد الله(علیه السّلام): إن الذی قدر أن یدخل الذی تراه العدسة أو أقل منها قادر أن یدخل الدنیا کلها البیضة ، لا تصغر الدنیا ولا تکبر البیضة ! فأکب هشام علیه وقبل یدیه ورأسه ورجلیه وقال: حسبی یا ابن رسول الله ، وانصرف إلی منزله . وغدا علیه الدیصانی فقال له: یا هشام إنی جئتک مسلِّماً ولم أجئک متقاضیاً للجواب، فقال له هشام: إن کنت جئت متقاضیاً فهاک الجواب ، فخرج الدیصانی عنه حتی أتی باب أبی عبد الله(علیه السّلام) فاستأذن علیه فأذن له ، فلما قعد قال له: یا جعفر بن محمد دُلَّنی علی معبودی؟ فقال له أبو عبد الله: ما اسمک؟ فخرج عنه ولم یخبره باسمه

ص: 22

فقال له أصحابه: کیف لم تخبره باسمک؟ قال: لو کنت قلت له: عبد الله ، کان یقول: من هذا الذی أنت له عبد؟ فقالوا له: عد إلیه وقل له یدلک علی معبودک ولا یسألک عن اسمک . فرجع إلیه فقال له: یا جعفر بن محمد دلنی علی معبودی ولا تسألنی عن إسمی؟ فقال له أبو عبدالله(علیه السّلام): أجلس ، وإذا غلام له صغیر فی کفه بیضة یلعب بها فقال له أبو عبد الله: ناولنی یا غلام البیضة فناوله إیاها، فقال له أبو عبدالله(علیه السّلام): یا دیصانی، هذا حصن مکنون له جلد غلیظ ، وتحت الجلد الغلیظ جلد رقیق وتحت الجلد الرقیق ذهبة مائعة وفضة ذائبة ، فلا الذهبة المائعة تختلط بالفضة الذائبة ، ولا الفضة الذائبة تختلط بالذهبة المائعة ، فهی علی حالها لم یخرج منها خارج مصلح فیخبر عن صلاحها ، ولا دخل فیها مفسد فیخبر عن فسادها ، لا یدری للذکر خلقت أم للأنثی تنفلق عن مثل ألوان الطواویس ، أتری لها مدبراً؟! قال: فأطرق ملیاً ثم قال: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شریک له وأن محمداً عبده ورسوله وأنک إمام وحجة من الله علی خلقه، وأنا تائب مما کنت فیه). (الکافی:1/79).

ص: 23

تعریفات ومصطلحات

1-(المُلْحِد: بضم المیم وکسر الحاء ، جمعه ملاحدة وملحدون: مَن کفر بالأدیان کلها: apostate, Unbeliever ). (معجم لغة الفقهاء/458).

(الإلحاد: من لَحَدَ: المیل عن الطریق المرسوم ، الکفر بجمیع الأدیان وإنکار جمیع الرسالات: Atheism (معجم لغة الفقهاء/489) . (زندیق، ملحد، مارق من دینه:withersake.(المعجم القانونی:ق2/749).

(حرق الملحد أو الزندیق.haeretico comburendo: قانون جنائی أصدره الإنکلیز ضد الإلحاد ، وفرضوا به عقوبة الموت حرقاً علی کل ملحد). (المعجم القانونی:ق1/327).

2- معانی مادة (لَحَدَ): (لحد بلسانه إلی کذا مال، قال تعالی: وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ یَقُولُونَ إِنَّمَا یُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِی یُلْحِدُونَ إِلَیْهِ أَعْجَمِیٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِیٌّ مُبِینٌ) من لحد . وقرئ (یَلْحَدُون)من ألحد . وألحد فلان مال عن الحق ، والإلحاد ضربان: إلحاد إلی الشرک بالله ، وإلحاد إلی الشرک بالأسباب ، فالأول ینافی الإیمان ویبطله ، والثانی یوهن عراه ولا یبطله . ومن هذا النحو قوله: وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِی جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاکِفُ فِیهِ وَالْبَادِ وَمَنْ یُرِدْ فِیهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِیمٍ . وقوله: وَلله الأَسْمَاءُ الْحُسْنَی فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِینَ یُلْحِدُونَ فِی أَسْمَائِهِ . والإلحاد فی أسمائه علی وجهین: أحدهما أن یوصف بما لا یصح وصفه به .

ص: 24

والثانی: أن یتأول أوصافه علی ما لا یلیق به . والتَحَدَ إلی کذا مال إلیه ، قال تعالی: وَلَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً . أی التجاءً أو موضع التجاء . وألحد السهم الهدف: مال فی أحد جانبیه) . (مفردات الراغب/448).

3- الإلحاد فی المسجد الحرام: قال تعالی: إِنَّ الَّذِینَ کَفَرُوا وَیَصُدُّونَ عَنْ سَبِیلِ اللهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِی جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاکِفُ فِیهِ وَالْبَادِ وَمَنْ یُرِدْ فِیهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِیمٍ .(الحج:25).

(عن معاویة بن عمار قال: سألت أبا عبد الله(علیه السّلام)عن قول الله عز و جل: ومن یرد فیه بإلحاد بظلم ؟ قال: کل ظلم إلحاد وضرب الخادم فی غیر ذنب من ذلک الإلحاد. عن أبی الصباح الکنانی قال: سألت أبا عبد الله(علیه السّلام)عن قول الله عز وجل: ومن یرد فیه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب ألیم؟ فقال: کل ظلم یظلمه الرجل نفسه بمکة من سرقة أو ظلم أحد أو شئ من الظلم فإنی أراه إلحاداً . ولذلک کان یتقی أن یسکن الحرم . من عبد فیه غیر الله عز وجل أو تولی فیه غیر أولیاء الله فهو ملحد بظلم وعلی الله تبارک وتعالی أن یذیقه من عذاب ألیم).(الکافی:8/337). قیل للإمام الصادق(علیه السّلام):(إن سبعاً من سباع الطیر علی الکعبة لیس یمر به شئ من حمام الحرم إلاضربه فقال:أنصبوا له واقتلوه فإنه قد ألحد).(الکافی:4/227).

4- الإلحاد فی آیات الله: قال تعالی: وَمِنْ آیَاتِهِ أَنَّکَ تَرَی الأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَیْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِی أَحْیَاهَا لَمُحْیِی الْمَوْتَی إِنَّهُ عَلَی کُلِّ شَئْ قَدِیرٌ . إِنَّ الَّذِینَ یُلْحِدُونَ فِی آیَاتِنَا لا یَخْفَوْنَ

ص: 25

عَلَیْنَا أَفَمَنْ یُلْقَی فِی النَّارِ خَیْرٌ أَمْ مَنْ یَأْتِی آمِنًا یَوْمَ الْقِیَامَةِ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِیرٌ . (فُصِّلَتْ:39-40) .

5- الفرق بین الکفر والإلحاد: أن الکفر إسم یقع علی ضروب من الذنوب فمنها الشرک بالله ومنها الجحد للنبوة ، ومنها استحلال ما حرم الله وهو راجع إلی جحد النبوة...وأصله: التغطیة .

الفرق بین الکفر والشرک:أن الکفر خصال کثیرة..والشرک خصلة واحدة وهو إیجاد إلهیة مع الله أو دون الله... وأصله کفر النعمة ونقیضه الشکر ونقیض الکفر بالله الإیمان) . (والدهَری بالفتح: الملحد . قال ثعلب: هما جمیعاً منسوبان إلی الدهر وهم ربما غیروا فی النِّسب ، کما قالوا سهلی بالضم للمنسوب إلی الأرض السهلة ). (الفروق اللغویةلأبی هلال العسکری/454).

6- أنواع الکفر فی آیات القرآن: فی الکافی:2/389، عن أبی عمرو الزبیری أنه قال للإمام الصادق(علیه السّلام): ( أخبرنی عن وجوه الکفر فی کتاب الله عز وجل؟ قال: الکفر فی کتاب الله علی خمسة أوجه ، فمنها کفر الجحود والجحود علی وجهین ، والکفر بترک ما أمر الله ، وکفر البراءة ، وکفر النعم . فأما کفر الجحود فهو الجحود بالربوبیة وهو قول من یقول: لا رب ولا جنة ولا نار وهو قول صنفین من الزنادقة یقال لهم الدهریة وهم الذین یقولون: وَمَا یُهْلِکُنَا إِلا الدَّهْرُ ! وهو دینٌ وضعوه لأنفسهم بالإستحسان علی غیر تثبت منهم ولا تحقیق لشئ مما یقولون ، قال الله عز وجل: إِنْ هُمْ إِلا یَظُنُّونَ.(الجاثیة:24)أن ذلک کما یقولون، وقال: إِنَّ الَّذِینَ

ص: 26

کَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَیْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا یُؤْمِنُونَ(البقرة:6) یعنی بتوحید الله تعالی . فهذا أحد وجوه الکفر .

وأما الوجه الآخر من الجحود: فهو الجحود علی معرفة ، وهو أن یجحد الجاحد وهو یعلم أنه حق قد استقر عنده ، وقد قال الله عز وجل: وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَیْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً !وقال الله عز وجل: وَکَانُوا مِنْ قَبْلُ یَسْتَفْتِحُونَ عَلَی الَّذِینَ کَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا کَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللهِ عَلَی الْکَافِرِینَ .(البقرة:89) فهذا تفسیر وجهی الجحود .

والوجه الثالث من الکفر: کفر النعم وذلک قوله تعالی یحکی قول سلیمان(علیه السّلام): هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّی لِیَبْلُوَنِی أَأَشْکُرُ أَمْ أَکْفُرُ وَمَنْ شَکَرَ فَإِنَّمَا یَشْکُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ کَفَرَ فَإِنَّ رَبِّی غَنِیٌّ کَرِیمٌ. (النمل:40) وقال: لَئِنْ شَکَرْتُمْ لأَزِیدَنَّکُمْ وَلَئِنْ کَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِی لَشَدِیدٌ.(ابراهیم:7)وقال: فَاذْکُرُونِی أَذْکُرْکُمْ وَاشْکُرُوا لِی وَلا تَکْفُرُونِ . (البقرة:152) .

والوجه الرابع من الکفر: ترک ما أمر الله عز وجل به وهو قول الله عز وجل: وَإِذْ أَخَذْنَا مِیثَاقَکُمْ لا تَسْفِکُونَ دِمَاءَکُمْ وَلا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَکُمْ مِنْ دِیَارِکُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ . ثُمَّ أَنْتُمْ هَؤُلاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَکُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِیقاً مِنْکُمْ مِنْ دِیَارِهِمْ تَظَاهَرُونَ عَلَیْهِمْ بِالأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَإِنْ یَأْتُوکُمْ أُسَارَی تُفَادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَیْکُمْ إِخْرَاجُهُمْ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْکِتَابِ وَتَکْفُرُونَ بِبَعْضٍ . فکفَّرهم بترک ما أمر الله عز وجل به ، ونسبهم إلی الإیمان ولم یقبله منهم ولم ینفعهم عنده ، فقال: فَمَا جَزَاءُ مَنْ یَفْعَلُ

ص: 27

ذَلِکَ مِنْکُمْ إِلا خِزْیٌ فِی الْحَیَاةِ الدُّنْیَا وَیَوْمَ الْقِیَامَةِ یُرَدُّونَ إِلَی أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ . (البقرة:84-85)

والوجه الخامس من الکفر: کفر البراءة وذلک قوله عز وجل یحکی قول إبراهیم(علیه السّلام):کَفَرْنَا بِکُمْ وَبَدَا بَیْنَنَا وَبَیْنَکُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَداً حَتَّی تُؤْمِنُوا بِاللهِ وَحْدَه ُ. یعنی تبرأنا منکم . وقال یذکر إبلیس وتبرئته من أولیائه من الإنس یوم القیامة: إِنِّی کَفَرْتُ بِمَا أَشْرَکْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ.(ابراهیم:22)

وقال: إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللهِ أَوْثَاناً مَوَدَّةَ بَیْنِکُمْ فِی الْحَیَاةِ الدُّنْیَا ثُمَّ یَوْمَ الْقِیَامَةِ یَکْفُرُ بَعْضُکُمْ بِبَعْضٍ وَیَلْعَنُ بَعْضُکُمْ بَعْضاً . (العنکبوت:25) یعنی یتبرأ بعضکم من بعض ). انتهی.

7- المسلم والمؤمن والموالی: تفسیر القمی:1/30،عن الإمام الصادق(علیه السّلام) قال:(الإیمان فی کتاب الله علی أربعة أوجه...الأول ، الإیمان الذی هو إقرار باللسان وقد سماه الله تبارک وتعالی إیماناً ونادی أهله به بقوله: یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَکُمْ فَانْفِرُوا ثُبَاتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِیعاً . وَإِنَّ مِنْکُمْ لَمَنْ لَیُبَطِّئَنَّ فَإِنْ أَصَابَتْکُمْ مُصِیبَةٌ قَالَ قَدْ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَیَّ إِذْ لَمْ أَکُنْ مَعَهُمْ شَهِیداً. وَلَئِنْ أَصَابَکُمْ فَضْلٌ مِنَ اللَّهِ لَیَقُولَنَّ کَأَنْ لَمْ تَکُنْ بَیْنَکُمْ وَبَیْنَهُ مَوَدَّةٌ یَا لَیْتَنِی کُنْتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزاً عَظِیماً. (النساء:71-73). قال(علیه السّلام):لو أن هذه الکلمة قالها أهل المشرق وأهل المغرب لکانوا بها خارجین من الإیمان ولکن قد سماهم الله مؤمنین بإقرارهم . وقوله: یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ (النساء:136)فقد سماهم الله مؤمنین بإقرارهم ثم قال لهم صدقوا .

ص: 28

الثانی: الإیمان الذی هو التصدیق بالقلب لقوله: الَّذِینَ آمَنُوا وَکَانُوا یَتَّقُونَ . لَهُمُ الْبُشْرَی فِی الْحَیَاةِ الدُّنْیَا وَفِی الآخِرَةِ. (یونس:63-64) یعنی صدقوا . وقوله: لَنْ نُؤْمِنَ لَکَ حَتَّی نَرَی اللهَ جَهْرَةً ، أی لا نصدقک . وقوله: لَیْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَکُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَکِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْیَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلائِکَةِ وَالْکِتَابِ وَالنَّبِیِّینَ وَآتَی الْمَالَ عَلَی حُبِّهِ ذَوِی الْقُرْبَی وَالْیَتَامَی وَالْمَسَاکِینَ وَابْنَ السَّبِیلِ وَالسَّائِلِینَ وَفِی الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَی الزَّکَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِینَ فِی الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِینَ الْبَأْسِ أُولَئِکَ الَّذِینَ صَدَقُوا وَأُولَئِکَ هُمُ الْمُتَّقُونَ . فمن أقام بهذه الشروط فهو مؤمن مصدق .

الثالث: الإیمان الذی هو الأداء ، فهو قوله لما حوَّل الله قبلة رسوله إلی الکعبة قال أصحاب رسول الله: یا رسول الله صلواتنا إلی بیت المقدس بطلت ! فأنزل الله تبارک وتعالی: وَمَا کَانَ اللهُ لِیُضِیعَ إِیمَانَکُمْ، فسمی الصلاة إیماناً .

الرابع من الإیمان ، هو التأیید الذی جعله الله فی قلوب المؤمنین من روح الإیمان فقال: لا تَجِدُ قَوْماً یُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْیَوْمِ الآخِرِ یُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ کَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِیرَتَهُمْ أُولَئِکَ کَتَبَ فِی قُلُوبِهِمُ الأِیمَانَ وَأَیَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ . ومن الإیمان ما قد ذکره الله فی القرآن خبیث وطیب حیث قال: مَا کَانَ اللهُ لِیَذَرَ الْمُؤْمِنِینَ عَلَی مَا أَنْتُمْ عَلَیْهِ حَتَّی یَمِیزَ الْخَبِیثَ مِنَ الطَّیِّبِ . ومنهم من یکون مؤمناً مصدقاً ولکنه

ص: 29

یلبس إیمانه بظلم وهو قوله: الَّذِینَ آمَنُوا وَلَمْ یَلْبِسُوا إِیمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِکَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ. فمن کان مؤمناً ثم دخل فی المعاصی التی نهی الله عنها فقد لبس إیمانه بظلم ).

8- العادل والفاسق والمذنب والتائب:

(والبینة تقوم بالشهود إذا کانوا عدولاً . والعدل من کان معروفاً بالدین والورع عن محارم الله عز وجل . ولا تقبل شهادة الفاسق ، ولا ذی الضغن والحسد ، والعدو فی الدنیا والخصم فیها ، ولا تقبل شهادة المتهم ولا الظنین). (المقنعة/725)

(روی زرارة عن أبی جعفر(علیه السّلام)قال: ما من عبد إلا وفی قلبه نقطة بیضاء فإن أذنب ذنباً خرج فی النکتة نکتة سوداء ، فإن تاب ذهب ذلک السواد وإن تمادی فی الذنوب زاد ذلک السواد حتی یغطی البیاض ، فإذا غطی البیاض لم یرجع صاحبه إلی خیر أبداً ، وهو قول الله عز وجل:کَلا بَلْ رَانَ عَلَی قُلُوبِهِمْ مَا کَانُوا یَکْسِبُونَ . وقال الله تعالی: إِنَّ الَّذِینَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّیْطَانِ تَذَکَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ ، فأخبر أن جلاء القلب یحصل بالذکر وأن المتقین هم المتذکرون . فالتقوی باب الذکر والذکر باب الکشف ، والکشف باب الفوز الأکبر).(رسائل الشهید الثانی/105).

9- درجات الإیمان: (سئل الإمام زین العابدین(علیه السّلام)عن الزهد فقال: (عشرة أشیاء ، فأعلی درجة الزهد أدنی درجة الورع ، وأعلی درجة الورع أدنی درجة الیقین ، وأعلی درجة الیقین أدنی درجة الرضا . ألا وإن الزهد فی آیة من کتاب الله عز وجل: لِکَیْلا تَأْسَوْا عَلَی مَا فَاتَکُمْ وَلا

ص: 30

تَفْرَحُوا بِمَا آتَاکُمْ ). (الکافی:2/128) .

10- تأکید أهل البیت(علیهم السّلام)علی الورع ، أی ضبط النفس والتنزه عن محارم الله تعالی وما لایلیق بالمؤمن: (عن الإمام الباقر: إن أشد العبادة الورع). (الکافی:2/77). وسأل رجل الإمام الصادق(علیه السّلام): ما الذی یُثَبِّتُ الایمان فی العبد؟ قال: الورع ، والذی یخرجه منه؟ قال: الطمع)(الکافی:2/320).

وکانت صفة الصدق والورع والسمو عن المحرمات والقبائح معروفة فی شیعة أهل البیت(علیهم السّلام)ٍحتی اضطروا الی الروایة عنهم ! قال الذهبی الناصبی فی میزان الإعتدال: (فهذا (التشیع) کثر فی التابعین وتابعیهم ، مع الدین والورع والصدق ، فلو رُد حدیث هؤلاء (الشیعة) لذهبت جملة من الآثار النبویة وهذا مفسدة بینة ) . میزان الإعتدال:1/5 ، وسیر أعلام النبلاء:1/59،

ص: 31

الفصل الثانی: توحید الله تعالی وصفاته

اشارة

ص: 32

ص: 33

من أدلة توحید الله عز وجل

الدلیل الأول: أن وحدة المخلوقات تدل علی وحدة الخالق عز وجل فکل شئ فی الکون مصنوع بدقة وإتقان ، بقوانین موحدة من الذرة الی المجرة ، وهذا یعنی أنه من خلق إله واحد أحد ، علیم قدیر حکیم ، عز وجل . (وَهُوَ الَّذِی فِی السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِی الأَرْضِ إِلَهٌ وَهُوَ الْحَکِیمُ الْعَلِیمُ).(الزخرف:84).

الدلیل الثانی: أنه لو کان لله شریک لأظهر آیاته، قال أمیر المؤمنین لولده الحسن(علیه السّلام): (واعلم یا بنی أنه لو کان لربک شریک لأتتک رسله ولرأیت آثار ملکه وسلطانه ، ولعرفت أفعاله وصفاته ولکنه إله واحد کما وصف نفسه).

الدلیل الثالث: لو کان للکون إلهان لکان بینهما فاصلة ، فیکونان ثلاثة.. وهکذا.. ! وقد سئل الصادق(علیه السّلام): لم لا یجوز أن یکون صانع العالم أکثر من واحد؟ فقال(علیه السّلام): ثم یلزمک إن ادعیت اثنین فرجة ما بینهما حتی یکونا اثنین ، فصارت الفرجة ثالثا بینهما قدیما معهما ، فیلزمک ثلاثة ، وإن ادعیت ثلاثة لزمک ما قلنا فی الاثنین، حتی تکون بینهم فرجة فیکونوا خمسة ثم یتناهی فی العدد إلی ما لا نهایة له فی

ص: 34

الکثرة) الی آخرالأدلة العدیدة علی توحیده سبحانه .

استغلال الوهابیة لأقسام التوحید

قسم العلماء التوحید الی أقسام أو مراتب، منها:توحید الذات، وأنه عز وجل وجودٌ غیر مرکب ، فالأحدیة عین ذاته ، وکل ما سواه قابل للقسمة . کما بینه أمیر الموحدین(علیه السّلام)عندما قام الیه أعرابی یوم الجمل فقال: یا أمیر المؤمنین أتقول: إن الله واحد؟ قال: فحمل الناس علیه قالوا: یا أعرابی أما تری ما فیه أمیر المؤمنین من تقسم القلب؟! فقال أمیر المؤمنین(علیه السّلام)دعوه فإن الذی یریده الأعرابی هو الذی نریده من القوم ، ثم قال: یا أعرابی إن القول فی أن الله واحد علی أربعة أقسام، فوجهان منها لا یجوزان علی الله عز وجل ، ووجهان یثبتان فیه: فأما اللذان لا یجوزان علیه فقول القائل: واحد یقصد به باب الأعداد فهذا ما لا یجوز ، لأن ما لا ثانی له لا یدخل فی باب الأعداد ، أما تری أنه کفر من قال إنه ثالث ثلاثة. وقول القائل: هو واحد من الناس، یرید به النوع من الجنس ، فهذا ما لا یجوز علیه لأنه تشبیه ، وجل ربنا عن ذلک وتعالی . وأما الوجهان اللذان یثبتان فیه فقول القائل: هو واحد لیس له فی الأشیاء شبه ، کذلک ربنا . وقول القائل: إنه عز وجل أحدی المعنی، یعنی به أنه لا ینقسم فی وجود

ولا عقل ولا وَهْم،کذلک ربنا عز وجل) (توحید الصدوق/83 ) .

وتوحید الذات والصفات: وأن صفاته الذاتیة کالحیاة والعلم والقدرة

ص: 35

عین ذاته عز وجل ، لأن تعدد الذات والصفة یستلزم الترکیب والتجزئة والمرکب من الأجزاء محتاج إلی الأجزاء وإلی من یرکبها ، ولأن زیادة الصفات علی الذات یعنی أن الذات فی مرتبة الذات فاقدة لصفات الکمال ، ومتضمنة لإمکان وجودها ، وهذا یجر الی إمکان الوجود لا وجوبه..الخ. ولذا قال أمیر المؤمنین(علیه السّلام): (أول عبادة الله معرفته ، وأصل معرفة الله توحیده ، ونظام توحید الله نفی الصفات عنه ، لشهادة العقول أن کل صفة وموصوف مخلوق ، وشهادة کل مخلوق أن له خالقا لیس بصفة ولا موصوف ). (التوحید للصدوق/34).

ومنها توحید الألوهیة ، وتوحید الربوبیة ، والتوحید فی الخالقیة والتوحید فی المُلک ، والتوحید فی العبادة..الخ.

وقد استغل ذلک ابن تیمیة فأراد أن یحکم بکفر بعض المسلمین ، بحجة أنهم موحدون فی الربوبیة ومشرکون فی توحید العبادة والألوهیة! ورد علیه الحافظ حسن السقاف فی رسالته:(التندید بمن عدَّدَ التوحید). قال فی/13و34: (ولم ینقل ذلک التفریق عن واحد منهم فضلاً عن نقله من الکتاب أو السنة، حتی ابتدع وتکلم بذلک

بعض أهل القرن الثامن الهجری، ولا عبرة بذلک قطعاً ، فما هذا الهذیان بهذا التقسیم الذی یفتریه أولئک المبتدعة الخراصون فیرمون المسلمین بأنهم قائلون بتوحید الربوبیة دون توحید العبادة أی الألوهیة وأنه لا یکفی المسلمین توحید الربوبیة فی إخراجهم من الکفر وإدخالهم فی الإسلام... قال فی کتابه

ص: 36

منهاج السنة:2/62، بعد أن دمج وخلط بعض أئمة الإسلام کالسهروردی وأبی حامد الرازی والآمدی وغیرهم بمن یخالفهم فی آرائهم من الفلاسفة کأرسطو طالیس والفارابی وابن سینا ما نصه:( دخلوا فی بعض الباطل المبدع ، وأخرجوا من التوحید ما هو منه کتوحید الإلهیة وإثبات حقائق أسماء الله ولم یعرفوا من التوحید إلا توحید الربوبیة وهو الإقرار بأن الله خالق کل شئ وهذا التوحید کان یقر به المشرکون الذین قال الله عنهم:(ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض لیقولن الله).

وهذه مغالطة منه وتلبیس، وهو کلام غلط کما بینا وهل یعقل عاقل أو یقول إنسان بأن فرعون الذی کان من جملة المشرکین کان یوحد ربوبیة ولا یوحد ألوهیة؟! وهو الذی یقول: ما علمت لکم من إله غیری! کما أنه هو القائل: أنا ربکم الأعلی ! ولو کان یقر بالربوبیة لما قال: أنا ربکم الأعلی، بل لقال: أنا إلهکم الأعلی . ولو تذکر ابن تیمیة قول

الله تعالی فی سورة الأعراف: قال الذین استکبروا إنا بالذی آمنتم به کافرون وقول سیدنا یوسف(علیه السّلام):أأرباب متفرقون خیر أم الله الواحد القهار، وقول سیدنا إبراهیم(علیه السّلام): أإفکاً آلهة دون الله تریدون...لاستحی أن یفوه بذلک! ولذلک کان من الواضح عند أولی الألباب أن توحید الربوبیة وتوحید الألوهیة شئ واحد ولا فرق بینهما وهما متلازمان لا ینفک أحدهما عن الآخر فی الوجود وفی الإعتقاد) .

ص: 37

الأسماء الحسنی والصفات

قال الله تعالی: اللهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ لَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَی .(طَهَ:8). وقال: وَللهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَی فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِینَ یُلْحِدُونَ فِی أَسْمَائِهِ سَیُجْزَوْنَ مَا کَانُوا یَعْمَلُونَ.(الأعراف:180). وقال: قُلِ ادْعُوا اللهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَیًّا مَا تَدْعُواْ فَلَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَی . (الإسراء:110) والأسماء الحسنی فی الآیات تشمل کل صفة حسنة فیصح أن یوصف بها الله تعالی، بشرط أن لایکون فیها تجسیمٌ أو تشبیه .

والمشهور من أسمائه الحسنی سبحانه تسع وتسعون ، رواها الصدوق فی التوحید/219،عن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )قال: (إن لله تبارک وتعالی تسعة وتسعین اسماً مائة إلا واحداً ، إنه وتر یحب الوتر ، من أحصاها دخل الجنة فبلغنا أن غیر واحد من أهل العلم قال: إن أولها یفتتح بلا إله إلا الله الله وحده لا شریک له ، له الملک وله الحمد بیده الخیر وهو علی کل شی قدیر، لا إله إلا الله له الأسماء الحسنی، الله ، الواحد ، الصمد ، الأول ، الآخر ، الظاهر ، الباطن ، الخالق ، البارئ ، المصور ، الملک ، القدوس ، السلام ، المؤمن ، المهیمن ، العزیز ، الجبار ، المتکبر ،الرحمن ، الرحیم ، اللطیف ، الخبیر ، السمیع ، البصیر ، العلی ، العظیم ، البارئ ، المتعالی ،

ص: 38

الجلیل ، الجمیل ، الحی ، القیوم ، القادر ، القاهر ، الحکیم ، القریب ، المجیب ، الغنی ، الوهاب ، الودود ، الشکور ، الماجد ، الأحد ، الولی ، الرشید ، الغفور ، الکریم ، الحلیم ، التواب ، الرب المجید ، الحمید ، الوفی ، الشهید ، المبین ، البرهان ، الرؤوف ، المبدئ ، المعید ، الباعث ، الوارث ، القوی، الشدید ، الضار ، النافع ، الوافی ، الحافظ ، الرافع ، القابض ، الباسط ، المعز ، المذل

الرازق ، ذو القوة ، المتین ، القائم، الوکیل، العادل ، الجامع ، المعطی ، المجتبی ، المحیی ، الممیت ، الکافی ، الهادی ، الأبد ، الصادق ، النور ، القدیم ، الحق ، الفرد ، الوتر ، الواسع، المحصی، المقتدر، المقدم، المؤخر، المنتقم ، البدیع).انتهی.

أقول: یبدو أن هذه الأسماء المقدسة تعبیر عن أنواع فاعلیات الله تعالی فی الوجود ، وأن نظام الأسماء الحسنی عمیق فی وجود الکون وحیاته ، وأن آیات القرآن المرصعة التی تُختم بالأسماء الحسنی تدل علی أوجه من هذا

الإرتباط، فعندما یقول مثلاً: تَنْزِیلُ الْکِتَابِ مِنَ اللهِ الْعَزِیزِ الْحَکِیمِ .(الجاثیة:2).

ومن هذا الأفق یمکن أن تفهم معنی أن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )والأئمة(علیهم السّلام)هم الأسماء الحسنی أو مظاهرها ، ففی الکافی:1/143،عن الإمام الصادق(علیه السّلام) فی تفسیر قوله تعالی: وَللهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَی فَادْعُوهُ بِهَا، قال: نحن

ص: 39

والله الأسماء الحسنی التی لایقبل الله من العباد عملاً إلا بمعرفتنا).

الإلحاد فی أسماء الله تعالی وصفاته

قال الله تعالی: وَللهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَی فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِینَ یُلْحِدُونَ فِی أَسْمَائِهِ سَیُجْزَوْنَ مَا کَانُوا یَعْمَلُونَ . (الأعراف:180).

وقال الإمام زین العابدین(علیه السّلام):(اللهم صل علی محمد وآله ، وجنبنا الإلحاد فی توحیدک ، والتقصیر فی تمجیدک ، والشک فی دینک ، والعمی عن سبیلک ). الصحیفة السجادیة/217) .

وفی توحید الصدوق/321 ، عن الإمام الصادق(علیه السّلام)قال: (وله الأسماء الحسنی التی لایسمی بها غیره وهی التی وصفها فی الکتاب فقال: فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِینَ یُلْحِدُونَ فِی أَسْمَائِهِ ، جهلاً بغیر علم ، فالذی یلحد فی أسمائه بغیر علم یشرک وهو لا یعلم ویکفر به وهو یظن أنه یحسن ، فلذلک قال: وَمَا یُؤْمِنُ أَکْثَرُهُمْ بِاللهِ إِلا

وَهُمْ مُشْرِکُونَ).(یوسف:106) فهم الذین یلحدون فی أسمائه بغیر علم فیضعونها غیر مواضعها . یا حَنَان ، إن الله تبارک وتعالی أمر أن یُتَّخَذَ قومٌ أولیاء فهم الذین أعطاهم الله الفضل وخصهم بما لم یخص به غیرهم ، فأرسل محمداً(صلّی الله علیه و آله وسلّم )فکان الدلیل علی الله بإذن الله عز وجل حتی مضی دلیلاً هادیاً ، فقام من بعده وصیه(علیه السّلام)دلیلاً هادیاً علی ما کان هو دل علیه من أمر ربه من ظاهر علمه ، ثم الأئمة الراشدون(علیهم السّلام)).انتهی.

ص: 40

وبذلک یتضح أن معنی الإلحاد فی أسمائه عز وجل ، المیل بها عن معانیها الصحیحة ، وتفسیرها بمعان خاطئة توجب الشرک والکفر من حیث لایعلم الإنسان ! ومعناه أن علم التوحید والصفات علم دقیق لا بد أن تتلقاه الأمة من المعصومین(علیهم السّلام)وإلا وقعت فی الضلال فی معرفة ربها وألحدت فی أسمائه، وعبدت غیره جهلاً ! وهذا ما حدث عندما رفضت عترة نبیها(صلّی الله علیه و آله وسلّم )واتبعت کعب الأحبار وإسرائیلیاته فی التشبیه والتجسیم !

أنواع الضلال من الإلحاد فی الأسماء الحسنی

إن کل الضلال فی مذاهب العقیدة ، وکل المشاکل الفکریة والعقدیة التی وقعت فیها الأمة ، نتجت من عدم التوازن بین (الحمد لله ، وسبحان الله) أی من المیل والإلحاد فی أسمائه وصفاته عز وجل ، وعدم حفظ التوازن بین التسبیح والتحمید. فالتسبیح یعنی تنزیه الله تعالی عن صفات المخلوقین ، والتحمید یعنی إثبات أنواع فاعلیاته فی الکون .

والذی حدث أن الجهمیة رکزوا علی (التنزیه) حتی نفوا أن یکون الله تعالی شیئاً لئلا یقعوا فی التشبیه ، فوقعوا فی التعطیل !

والمشبهة رکزوا علی (الإثبات) هرباً من التعطیل فوقعوا فی تشبیه الله تعالی بمخلوقاته وجسموه !

فالإغراق فی النفی أو الإثبات هو المشکلة ، وحفظ التوازن بین التنزیه والتحمید هو التوحید الذی جاء به الإسلام وبینه النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )وأهل البیت(علیهم السّلام)فقالوا إن الله عز وجل شئ لا کالأشیاء ، ووجود لایخضع

ص: 41

لقوانین الزمان والمکان ، لأنه خالقهما !

فی توحید الصدوق/107، عن الصادق عن آبائه(علیهم السّلام): (مرَّ النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) علی رجل وهو رافع بصره إلی السماء یدعو ، فقال له رسول الله: غُضَّ بصرک فإنک لن تراه . ومرَّ النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )علی رجل رافع یدیه إلی السماء وهو یدعو، فقال رسول الله: أقصر من یدیک فإنک لن تناله).

وفی الکافی:1/93 ، عن الصادق(علیه السّلام)قال: (إن یهودیاً یقال له سبحت جاء إلی رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )فقال: یا رسول الله جئت أسألک عن ربک ، فإن أنت أجبتنی عما أسألک عنه وإلا رجعت؟ قال: سل عما شئت . قال: أین ربک ؟ قال: هو فی کل مکان ، ولیس فی شئ من المکان المحدود . قال: وکیف هو؟ قال: وکیف أصف ربی بالکیف والکیف مخلوق والله لا یوصف بخلقه. قال: فمن أین یعلم أنک نبی الله؟ قال: فما بقی حوله حجر ولا غیر ذلک ، إلا تکلم بلسان عربی مبین: یا سبحت إنه رسول الله ! فقال سبحت: ما رأیت کالیوم أمراً أبین من هذا ! ثم قال: أشهد أن لا إله إلا الله وأنک رسول الله) .

مسألة الرؤیة أصل کل الخلاف فی الصفات

معنی مسألة الرؤیة: هل یمکن أن نری الله تعالی بأعیننا فی الدنیا أو الآخرة؟ وقد نفی ذلک نفیاً مطلقاً أهل البیت(علیهم السّلام) ، وکذا عائشة وجمهور الصحابة ، وبه قال الفلاسفة والمعتزلة وغیرهم ، مستدلین بقوله تعالی:

ص: 42

لَیْسَ کَمِثْلِهِ شَئْ وَهُوَ السَّمِیعُ الْبَصِیرُ). (الشوری:11) قَالَ رَبِّ أَرِنِی أَنْظُرْ إِلَیْکَ قَالَ لَنْ تَرَانِی. (لأعراف:143) لاتُدْرِکُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ یُدْرِکُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِیفُ الْخَبِیرُ. (الأنعام:103) . ومستدلین بحکم العقل بأن الذی یمکن رؤیته بالعین إنما هو الوجود المادی المحدود فی المکان والزمان .

بینما قال الحنابلة وأتباع المذهب الأشعری من الحنفیة والمالکیة والشافعیة: إن الله تعالی یری بالعین فی الدنیا أو فی الآخرة ، واستدلوا بآیات یبدو منها ذلک بالنظرة الأولی کقوله تعالی: وُجُوهٌ یَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَی رَبِّهَا نَاظِرَةٌ . (القیامة:22-23). وبروایات رووها عن رؤیة الله تعالی . ثم أولوا الآیات والأحادیث النافیة لإمکان الرؤیة بالعین .

ظهر ادعاء الرؤیة بالعین فی زمن عمر

لم یظهر شئ من أحادیث الرؤیة بالعین فی زمن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )ولا فی زمن أبی بکر، بل کانت عقیدة المسلمین أن الله تعالی لیس من نوع المادة التی تُری بالعین وتُحس بالحواس، لأنه سبحانه وجود أعلی من الأشیاء المادیة فلا تناله الأبصار، بل ولاتدرکه الأوهام وإنما یدرک بالعقل ویُری بالبصیرة، ورؤیتها أرقی وأعمق من رؤیة البصر .

ثم ظهرت أفکار الرؤیة والتشبیه وشاعت فی عهد عمر وبعده فنهض أهل البیت(علیهم السّلام)وبعض الصحابة لردها وتکذیبها .

ص: 43

وقالت عائشة إنها فوجئت کغیرها بهذه المقولات المناقضة لعقائد الإسلام ، فأعلنت أنها أحادیث مکذوبة وفِرْیَةٌ عظیمة علی الله تعالی ورسوله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) ، یجب علی المسلمین ردها .

روی بخاری فی صحیحه:6/50: (عن مسروق قال: قلت لعائشة: یا أُمَّتَاه هل رأی محمد(ص)ربه؟ فقالت: لقد قَفَّ شعری مما قلت! أین أنت من ثلاث من حدثکهن فقد کذب: من حدثک أن محمداً (ص) رأی ربه فقد کذب ، ثم قرأت: لا تُدْرِکُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَیُدْرِکُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِیفُ الْخَبِیرُ . وَمَا کَانَ لِبَشَرٍ أَنْ یُکَلِّمَهُ اللهُ إِلا وَحْیًا أَوْ مِنْ وَرَاءِحِجَابٍ ، ومن حدثک أنه یعلم ما فی غدٍ فقد کذب ، ثم قرأت: وَمَا تَدْرِی نَفْسٌ مَاذَا تَکْسِبُ غَدًا ، ومن حدثک أنه کتم فقد کذب ثم قرأت: یا أیها الرسول بلغ ماأنزل إلیک من ربک الآیة، ولکنه رأی جبرئیل فی صورته مرتین). وروی بخاری:8/166:(عن الشعبی عن مسروق عن عائشة قالت: من حدثک أن محمداً رأی ربه فقد کذب وهو یقول: لا تدرکه الأبصار). ونحوه فی:2/83 و:3/0 و:4/83 . وفی مسلم: 1/110: (من زعم أن محمداً رأی ربه فقد أعظم علی الله الفریة). ویشمل نفی عائشة الرؤیة فی الآخرة أیضاً کما أشار إلیه الطبری، ولذلک اضطر الذهبی إلی ارتکاب التأویل فی حدیث عائشة، وآیات نفی الرؤیة ، مع أنه کحشویة الحنابلة یحرم التأویل فی أحادیث إثبات الرؤیة وصفات الله تعالی ویعتبره ضلالاً وإلحاداً!

ص: 44

وروی المجلسی فی بحار الأنوار:36/194: ( عن ابن عباس أنه حضر مجلس عمر بن الخطاب یوماً وعنده کعب الحبر .إذ قال عمر یا کعب أحافظٌ أنت للتوراة؟ قال کعب: إنی لأحفظ منها کثیراً . فقال رجل من جنبة المجلس: یا أمیر المؤمنین سله أین کان الله جل ثناؤه قبل أن یخلق عرشه ، ومِمَّ خلق الماء الذی جعل علیه عرشه ؟فقال عمر: یا کعب هل عندک من هذا علم ؟ فقال کعب: نعم یا أمیر المؤمنین ، نجد فی الأصل الحکیم أن الله تبارک وتعالی کان قدیماً قبل خلق العرش وکان علی صخرة بیت المقدس فی الهواء ، فلما أراد أن یخلق عرشه تفل تفلة کانت منها البحار الغامرة واللجج الدائرة ، فهناک خلق عرشه من بعض الصخرة التی کانت تحته ، وآخر ما بقی منها لمسجد قدسه ! قال ابن عباس: وکان علی بن أبی طالب(علیه السّلام)حاضراً فَعَظَّمَ عَلِیٌّ ربه ، وقام علی قدمیه ونفض ثیابه ! فأقسم علیه عمر لمَاَ عاد إلی مجلسه ، ففعله. قال عمر: غص علیها یا غواص ، ما تقول یا أبا الحسن، فما علمتک إلا مفرجاً للغم .

فالتفت علی(علیه السّلام) إلی کعب فقال: غلط أصحابک وحرفوا کتب الله وفتحوا الفریة علیه ! یا کعب ویحک ! إن الصخرة التی زعمت لا تحوی جلاله ولا تسع عظمته، والهواء الذی ذکرت لا یحوز أقطاره ولو کانت الصخرة والهواء قدیمین معه لکان لهما قدمته ،

ص: 45

وعزّ الله وجل أن یقال له مکانٌ یُومَی إلیه ، والله لیس کما یقول الملحدون ولا کما یظن الجاهلون ، ولکن کان ولا مکان ، بحیث لا تبلغه الأذهان ، وقولی(کان)عجزٌ عن کونه ، وهو مما عَلَّمَ من البیان یقول الله عز وجل(خَلَقَ الأِنْسَانَ عَلَّمَهُ الْبَیَانَ) فقولی له(کان) ما علمنی من البیان لأنطق بحججه وعظمته، وکان ولم یزل ربنا مقتدراً علی ما یشاء محیطاً بکل الأشیاء، ثم کَوَّنَ ما أراد بلا فکرة حادثة له أصاب ، ولا شبهة دخلت علیه فیما أراد ، وإنه عز وجل خلق نوراً ابتدعه من غیر شئ ، ثم خلق منه ظلمة ، وکان قدیراً أن یخلق الظلمة لا من شئ کما خلق النور من غیر شئ ، ثم خلق من الظلمة نوراً وخلق من النور یاقوتة غلظها کغلظ سبع سماوات وسبع أرضین ، ثم زجر الیاقوتة فماعت لهیبته فصارت ماءً مرتعداً ولا یزال مرتعداً إلی یوم القیامة ، ثم خلق عرشه من نوره وجعله علی الماء ، وللعرش عشرة آلاف لسان یسبح الله کل لسان منها بعشرة آلاف لغة لیس فیها لغة تشبه الأخری ، وکان العرش علی الماء من دونه حجب الضباب، وذلک قوله: وکان عرشه علی الماء لیبلوکم . یا کعب ویحک ، إن من کانت البحار تفلته علی قولک ، کان أعظم من أن تحویه صخرة بیت المقدس أو یحویه الهواء الذی أشرت إلیه أنه حل فیه ! فضحک عمر بن الخطاب وقال: هذا

ص: 46

هو الأمر ، وهکذا یکون العلم لا کعلمک یا کعب . لا عشت إلی زمان لا أری فیه أبا حسن).

وفی نهج البلاغة:2/99:(سأله ذعلب الیمانی فقال: هل رأیت ربک یا أمیر المؤمنین؟ فقال: أفأعبد ما لا أری ! فقال: وکیف تراه؟! فقال: لا تراه العیون بمشاهدة العیان ، ولکن تدرکه القلوب بحقائق الإیمان ، قریبٌ من الأشیاء غیر ملامس ، بعیدٌ منها غیر مباین ، متکلمٌ لا برویة ، مریدٌ لا بهمَّة ، صانعٌ لا بجارحة ، لطیفٌ لا یوصف بالخفاء ، کبیرٌ لا یوصف بالجفاء ، بصیرٌ لا یوصف بالحاسة ، رحیمٌ لا یوصف بالرقة . تعنو الوجوه لعظمته ، وتجب القلوب من مخافته). انتهی. فالقول برؤیة الله بالعین جاء من تأثر المسلمین بالیهود والنصاری والمجوس، وقد وقف أهل البیت(علیهم السّلام) وجمهور الصحابة ضده ونفوا نسبته إلی الإسلام ، لأنه یستلزم التجسیم .

ومن الأدلة البسیطة علی ذلک أن ما تراه العین لا بد أن یکون موجوداً داخل المکان والزمان، والله تعالی وجود متعال علی الزمان والمکان ، لأنه خلقهما وبدأ شریطهما من الصفر والعدم، فلا یصح أن نفترضه محدوداً بهما خاضعاً لقوانینهما ! لقد تعودت أذهاننا أن تعمل داخل الزمان والمکان حتی لیصعب علیها أن تتصور موجوداً خارج قوانینهما ، وحتی أننا نتصور خارج الفضاء والکون بأنه فضاء ! وهذه هی طبیعة

ص: 47

الإنسان قبل أن یکبر ویطلع ، وقد ورد أن النملة تتصور أن لربها قرنین کقرنیها ! لکن عقل الإنسان یدرک أن الوجود لا یجب أن یکون محصوراً بالمکان والزمان ، ویرتقی فی إدراکه ما هو أعلی من الزمان والمکان ویؤمن به وإن عرف أنه غیر قابل للرؤیة بالعین .

وهذا الإرتقاء الذهنی هو المطلوب منا فی فهم وجود الله تعالی ، لا أن نجره إلی محیط وجودنا ومألوف أذهاننا ، کما فعل الیهود عندما شبهوه بخلقه وادعوا تجسده فی عزیر وغیره ! وکما فعل النصاری فشبهوه بخلقه وادعوا تجسده بالمسیح وغیره !

وقد تبعهم حشویة الحنابلة وأشرسهم أتباع ابن تیمیة فی عصرنا فادعوا أنهم وحدهم الموحدون أصحاب العقیدة الصحیحة ، وأهل السنة والجماعة ! وأن بقیة المسلمین الذین یخالفون رأیهم أهل البدع والضلالة ، وأکثرهم کفار مشرکون !

لکنک عندما تنظر إلی عقیدتهم یأخذک العجب لبعدها عن التوحید الذی جاء به الإسلام ! فهم یشبهون الله تعالی بخلقه ویجسمون ذاته المقدسة ! ویجعلونه علی صورة البشر وطوله ستون ذراعاً ، ویزعمون أنه موجود فی مکان خاص من الکون ، وینزل إلی الأرض ، ویفرح ویضحک ویغضب ! الخ. فمعبودهم جسمٌ من نوع الطبیعة المخلوقة ، خاضع لقوانین الزمان والمکان اللذین خلقهما ! وإذا قلت لهم: إن الله تعالی منزه عن أن یحویه مکان أو زمان لأنه قبلهما ، وهو فی نفس

ص: 48

الوقت فی کل مکان وزمان مهیمنٌ علیهما وعلی کل الموجودات ، لا یقبلون ذلک ویتهمونک بأنک (جَهَمی) تنفی صفات الله تعالی ووجوده !

الوهابیة هم نفس حَشْویة الحنابلة

قال الدمیری فی حیاة الحیوان:2/71: ( نفت عائشة دلالة سورة النجم علی رؤیة النبی (ص) لربه وجواز الرؤیة مطلقاً...وهو سبحانه أجل وأعظم من أن یوصف بالجهات أو یحد بالصفات أو تحصیه الأوقات، أو تحویه الأماکن والأقطار . ولما کان جل وعلا کذلک استحال أن توصف ذاته بأنها مختصة بجهة أو منتقلة من مکان إلی مکان أو حَالَّةً فی مکان. روی أن موسی(علیه السّلام)لما کلمه الله تعالی سمع الکلام من سائر الجهات... وإذا ثبت هذا لم یجز أن یوصف تعالی بأنه یحل موضعاً أو ینزل مکاناً ولا یوصف کلامه بحرف ولا صوت خلافاً للحنابلة الحشویة) .

تجاهل الوهابیة مذهب الصحابة النافین للرؤیة

قال الألبانی فی فتاویه/143: (إن عقیدة رؤیة الله لم ترد فی السنة فقط حتی تشککوا فیها، إن هذه العقیدة أیضاً قد جاءت فی القرآن الکریم المتواتر روایته عن رسول الله...إن قوله تعالی: وُجُوهٌ یَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَی رَبِّهَا نَاظِرَةٌ. هی وجوه المؤمنین قطعاً إلی ربها ناظرة . المعتزلة والشیعة جاءوابفلسفة ففسروا وجوه إلی ربها ناظرة ، أی إلی نعیم ربها ناظرة...وهذه الفلسفة معولٌ هدَّامٌ للسنة الصحیحة). انتهی.

ص: 49

فهل فات الألبانی وأمثاله ، أنه لا یجوز الأخذ ببعض القرآن دون بعض بل یجب رد المتشابه الی المحکم ، والمحکم هنا: الآیات التی تنفی نفیاً قاطعاً صریحاً إمکانیة رؤیته تعالی ، کقوله تعالی: لاتدرکه الأبصار ، وقوله: لیس کمثله شئ ..الخ.

وهل فاتهم أن آیة: وُجُوهٌ یَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَی رَبِّهَا نَاظِرَةٌ ، التی یدعون أنها تعنی النظر إلی ذات الله تعالی فی الجنة تتحدث عن المحشر قبل دخول الجنة بدلیل قوله تعالی: وَوُجُوهٌ یَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ . تَظُنُّ أَنْ یُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ (القیامة:24-25) فوجوه المؤمنین مستشرفة إلی ربها تنتظر رحمته وعطاءه ، ووجوه الکفار مکفهرة خائفة من عقابه ، فلیس فی الآیات ما یدل علی النظر بالعین إلی الله تعالی فی الجنة ولا قبلها !

ثم انظر الی تهویلهم حیث جعلوا عدم الأخذ بأحادیث الرؤیة هدماً للسنة! وقد هدموا أحادیث عائشة وهی عندهم فی أعلی درجات الصحة!

هاجموا أمهم عائشة وأساؤوا معها الأدب

قال ابن خزیمة فی کتاب التوحید/225:(هذه لفظة أحسب عائشة تکلمت بها فی وقت غضب ، ولو کانت لفظة أحسن منها یکون فیها درک لبغیتها کان أجمل بها ، لیس یحسن فی اللفظ أن یقول قائل أو قائلة: قد أعظم ابن عباس الفریة وأبو ذر وأنس بن مالک وجماعات من الناس الفریة علی ربهم ! ولکن قد یتکلم المرء عند

ص: 50

الغضب باللفظة التی یکون غیرها أحسن وأجمل منها . أکثر ما فی هذا أن عائشة رضی الله عنها وأبا ذر وابن عباس وأنس بن مالک قد اختلفوا هل رأی النبی(ص)ربه فقالت عائشة: لم یر النبی(ص)ربه وقال أبو ذر وابن عباس قد رأی النبی ربه(؟!) فتفهموا یا ذوی الحجا هذه النکتة تعلموا أن ابن عباس وأباذر وأنس بن مالک ومن وافقهم لم یعظموا الفریة علی الله ، لا ولا خالفوا حرفاً من کتاب الله فی هذه المسألة...

نقول کما قال معمر بن راشد لما ذکر اختلاف عائشة وابن عباس فی هذه المسألة: ما عائشة عندنا أعلم من ابن عباس نقول: عائشة الصدیقة بنت الصدیق حبیبة حبیب الله عالمة فقیهة، کذلک ابن عباس رضی الله عنهما ابن عم النبی(ص)قد دعا النبی(ص) له أن یرزق الحکمة والعلم وهذا المعنی من الدعاء، وهو المسمی ترجمان القرآن، وقد کان الفاروق یسأله عن بعض معانی القرآن فیقبل منه وإن خالفه غیره ممن هو أکبر سناًّ منه وأقدم صحبة للنبی(ص)وإذا اختلفا فمحال أن یقال قد أعظم ابن عباس الفریة علی الله، لأنه قد أثبت شیئاً نفته عائشة...فکیف یجوز أن یقال أعظم الفریة علی الله من أثبت شیئاً لم یبینه کتاب ولا سنة، فتفهموا هذا لا تغالطوا...) إلخ.

ص: 51

هذا کلام ابن خزیمة أستاذ أصحاب الصحاح وإمام الأئمة ، وقد أطال الکلام وعمل المستحیل لیثبت خطأ عائشة فی نفی رؤیة النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )لربه بعینه ! وبلغ من حملته علی عائشة أن محقق کتابه الشیخ محمد خلیل هراس المدرس بکلیة أصول الدین بالأزهر لم یتحمل منه ذلک ، وکتب فی رده تعلیقات نذکر منها ما یلی:

- إن عذر عائشة أنها کانت تستعظم ذلک وتستنکره ولهذا قالت لمسروق (لقد قفَّ شعری مما قلت) ! ولیس من حق المؤلف أن یعلم أمه الأدب فهی أدری بما تقول منه ! إن عائشة لم تعین فی کلامها أحداً ولکن قالت: من زعم بصیغة العموم .

- لم یثبت عن ابن عباس أنه قال رآه بعینه ، ولکن قال بقلبه وبفؤاده . کیف وجمهور الصحابة معها فی إنکار الرؤیة بالعین کابن مسعود وغیره... عجباً لإمام الأئمة کیف خانه علمه فتوهم أن المنفی هو إدراک الأبصار له إذا اجتمعت ، فإذا انفرد واحد منها أمکن أن یراه ! فهل إذا قال قائل: لا آکل الرمان ، یکون معنی هذا أنه لا یأکل الحبات منه ولکن یأکل الحبة ! یرحم الله ابن خزیمة فلقد کبا ! ولکل جواد کبوة .

ونضیف إلی ما ذکره الهرَّاس: أنا لم نجد حدیثاً فی مصادرهم عن الرؤیة بالعین إلا سؤال أبی ذر وعائشة للنبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )وقد أجاب بنفیها ! فقولهم رأی ربه بعینه من اجتهادهم ! والتعارض فی

ص: 52

الحقیقة بین حدیث أبی ذر وعائشة عن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )أنه نفی الرؤیة وبین اجتهادهم مقابل النص النافی لرؤیة العین !

کما أن روایتهم عن ابن عباس متعارضة ومضطربة ، فلابد لهم من القول بسقوطها والرجوع إلی الأصل الذی هو عدم ثبوت ذلک عنه ، وقد نقل ابن خزیمة نفسه قبل هجومه علی عائشة أحادیث عن ابن عباس ینفی فیها الرؤیة بالعین! قال فی ص 200:(وقد اختلف عن ابن عباس فی تأویله قوله: ولقد رآه نزلة أخری ، فروی بعضهم عنه أنه رآه بفؤاده، حدثنا القاسم بن محمد بن عباد المهلبی قال ثنا عبد الله بن داود الخریبی عن الأعمش عن زیاد بن حصین عن أبی العالیة ، عن ابن عباس فی قوله: ولقد رآه نزلة

أخری ، قال: رآه بفؤاده .حدثنا عمی إسماعیل، قال ثنا عبد الرزاق قال أخبرنا إسرائیل عن سماک عن عکرمة عن ابن عباس فی قوله: ما کذب الفؤاد ما رأی ، قال رآه بقلبه). انتهی.

ومن العجیب أن ابن خزیمة تغاضی فی أول کلامه عن حدیث عائشة الصریح عن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )وأصر علی اعتباره قولاً واجتهاداً من عندها ! ثم عاد واعترف بأنه حدیث لکنه فرض أن قول ابن عباس حدیث مقابل حدیث عائشة ، وحکم بأن روایة ابن عباس متأخرة عن روایة عائشة ! فمن أین حکم أن قول ابن عباس روایة ، ومن أین عرف أنها متأخرة ، ثم لو

ص: 53

سلمنا أنها متأخرة فروایة عائشة نفی مطلق یُکذَب روایات الإثبات، وروایة ابن عباس إثبات جزئی فکیف تقدم علیها؟!

ثم انظر الی زعم ابن خزیمة أن الروایات المتعارضة تعارض نفی وإثبات ، تقدم فیها روایة إثبات الشئ علی روایة نفیه؟! فهل یلتزم بأن الروایة التی تثبت أن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )أوصی بالخلافة لعلی(علیه السّلام)مقدمة علی روایة نفی الوصیة ، التی بنوا علیها دینهم؟!

وقد أنصف الشیخ محمد عبده(رحمه الله)فی تفسیر المنار:9/148، عندما قال:(فعلم مماتقدم أن ما روی عن ابن عباس من الإثبات هو الذی یصح فیه ما قیل خطاً فی نفی عائشة إنه استنباط منه ، لم یکن عنده حدیث مرفوع فیه، وإنه علی ما صح عنه من تقییده الرؤیة القلبیة معارض مرجوح بما صح من تفسیر النبی(ص) لآیتی سورة النجم وهو أنهما فی رؤیته(ص) لجبریل بصورته التی خلقه الله علیها . علی أن روایة عکرمة عنه لا یبعد أن تکون مما سمعه من کعب الأحبار الذی قال فیه معاویة(الراوی)إن کنا لنبلو علیه الکذب کما فی صحیح البخاری. وروایة ابن إسحاق لا یعتد بها فی هذا المقام فإنه مدلس وهو ثقة فی المغازی لا فی الحدیث . فالإثبات المطلق عنه مرجوح روایةً کما هو مرجوح درایةً).انتهی .

ص: 54

أقول: حتی لو کان کلام عائشة اجتهاداً منها فهو اجتهاد مع دلیله کما قال الشیخ محمد عبده فی المنار:9/139: (فعائشة وهی من أفصح قریش تستدل بنفی الإدراک علی نفی الرؤیة مع ما علم من الفرق بینهما ، وتستدل علی نفیها أیضاً بقوله تعالی: وَمَا کَانَ لِبَشَرٍ أَنْ یُکَلِّمَهُ اللهُ إِلا وَحْیًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ، وقد حملوا هذا وذاک علی نفی الرؤیة فی هذه الحیاة الدنیا، ولکن إدراک الأبصار للرب سبحانه محال فی الآخرة کالدنیا).انتهی.

وقد بین الإمام الرضا(علیه السّلام)ما رآه النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )فی معراجه فقال: (قال رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): لما أسری بی إلی السماء بلغ بی جبرئیل مکاناً لم یطأه جبرئیل قط فکشف لی فأرانی الله عز وجل من نور عظمته ما أحب) . (بحار الأنوار:4/38).

من الرؤیة بالعین الی عبادة الشاب الأمرد !

واصل تلامیذ کعب الأحبار فی زمن عمر وبعده ، نشر أفکار التجسیم وکذبوا علی النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )فی حدیث أنه رأی ربه علی صورة شاب أمرد ! وأن الله خلق آدم علی صورته ، وأن لله یداً حقیقیة وساقاً ، یضعها فی جهنم فتمتلئ ! وکان من أبرز من نشرها من سموه (الإمام) أبو الزناد وهو موظف حکومی لیس من العلماء ولا رواة الحدیث .

قال الذهبی فی سیر أعلام النبلاء: 8/103: (قال ابن القاسم: سألت مالکاً عمن

ص: 55

حدث بالحدیث الذی قالوا: إن الله خلق آدم علی صورته ، والحدیث الذی جاء: إن الله یکشف عن ساقه وأنه یدخل یده فی جهنم حتی یخرج من أراد ، فأنکر مالک ذلک إنکاراً شدیداً ونهی أن یحدث بها أحد ! فقیل له إن ناساً من أهل العلم یتحدثون به فقال: من هو؟ قیل ابن عجلان عن أبی الزناد ، قال: لم یکن ابن عجلان یعرف هذه الأشیاء ولم یکن عالماً وذکر أبا الزناد فقال: لم یزل عاملاً لهؤلاء حتی مات). انتهی.

ومعنی کلامه أن الراوی الأصلی لهذا الحدیث أبو الزناد وهو متهم، لأنه کان عاملاً عند بنی أمیة فهو موظف عندهم ینشر أحادیث التجسیم لکعب الأحبار وغیره من الیهود التی تبنت السلطة نشرها ! وهو نص یکفی الباحث لیعرف أن الدولة الأمویة قد تبنت تجسیم الیهود من القرن الأول ودسته فی أحادیث النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )ووظفت رواة ینشرونه فی المسلمین !

وما زال الوهابیون مصرین علی ثقافة کعب الأحبار کما تری فی فتاوی ابن باز:4/368/فتوی رقم2331، قال:(خلق الله آدم علی صورته طوله ستون ذراعاً... وهو حدیث صحیح، ولا غرابة فی متنه فإن له معنیان: الأول: أن الله لم یخلق آدم صغیراً قصیراً کالأطفال من ذریته ثم نما وطال حتی بلغ ستین ذراعاً ، بل جعله یوم خلقه طویلاً علی صورة نفسه النهائیة طوله ستون ذراعاً. والثانی: أن الضمیر فی قوله (علی صورته ) یعود علی الله بدلیل ما جاء فی روایة أخری صحیحة (علی صورة الرحمن).انتهی.

وقد کنا نقول لعلماء الوهابیة کیف تدعون أنکم ترفعون لواء التوحید

ص: 56

وأنتم مشبهة مجسمة تعبدون شاباً أمرد ! فتثور ثائرتهم ، حتی ناقشهم الحافظ حسن السقاف فی قناة المستقلة ، وأفحمهم بأن إمامهم ابن تیمیة صحح حدیث الشاب الأمرد وبنی علیه عقیدته وأعلن عبادته! وفیما یلی خلاصة موضوع نشره أحد الإخوة فی شبکة هجر ، وثق فیه هذه عبادتهم لصنم أمرد:(صورة من/241 ، المجلد الثالث من کتاب (التأسیس فی الرد علی أساس التقدیس) مخطوط لابن تیمیة، وقد حصلنا علیها من مقدمة السید(حسن السقاف)وفقه الله لکتاب(القول الأسدّ) للسید عبدالعزیز الغماری(رحمه الله)/6، وهذا کامل الصفحة: قال ابن تیمیة: (من روایة ابن أبی داود أنه سُئل ابن عباس: هل رأی محمد ربّه ؟قال: نعم . قال: وکیف رآه؟! قال: فی صورة شاب دونه ستر من لؤلؤ، کان قدماه فی خضرة . فقلت لابن عباس: ألیس فی قوله تعالی: لا تدرکه الأبصار وهو یدرک الأبصار وهو اللطیف الخبیر؟ قال: لا أمّ لک ! ذاک نوره الذی هو نوره إذا تجلّی بنوره لا یدرکه شئ . وهذا یدل علی أنه رآه وأخبر أنه رآه فی صورة شاب دونه ستر وقدماه فی خضرة ، وأن هذه الرؤیة هی المعارضة بالآیة والمُجاب عنها بما تقدّم ، فیقتضی أنها رؤیة عین! کما فی الحدیث الصحیح المرفوع عن قتادة ، عن عکرمة عن ابن عباس قال: قال رسول الله(ص): رأیتُ ربی فی صورة أمرد ، له وفرة ، جعد ، قطط فی روضة خضراء ) ! انتهی. وهذا المخطوط نقل منه أحد السلفیین ممن لا یتهم علی ابن تیمیة وهو منصور بن عبد العزیز السماری

ص: 57

المدرس بالجامعة الإسلامیة بالمدینة المنورة ، فی تحقیقة وتعلیقه علی کتاب (نقض عثمان بن سعید علی المریسی الجهمی العنید فیما افتری علی الله فی التوحید) کما فی هذا الرابط:

http://www.hajr.us/forum/showpost.ph...66(رحمه الله)postcount=5

وفیه ما یلی: الکتاب: نقض عثمان بن سعید علی المریسی الجهمی العنید فیما افتری علی الله فی التوحید للإمام عثمان بن سعید الدارمی المتوفی سنة(280)حققه وعلق علیه وخرج أحادیثه منصور بن عبد العزیز السماری مکتبة أضواء السلف–لصاحبها علی الحربی الطبعة الأولی1419ه- - 1999م فی صفحة438: المتن: (وروی المعارض عن شاذان عن حماد عن قتادة عن عکرمة عن ابن عباس عن النبی(ص)قال: دخلت علی ربی فی جنة عدن شاب جعد فی ثوبین أخضرین! قال السماری فی الصفحات/438- 447: ونقل شیخ الإسلام ابن تیمیة فی نقض تأسیس الجهمیة(3/ل 216/ب-ل217/ب) عن الخلال عن المروذی أنه قال عقب روایته للحدیث السابق: قلت لأبی عبد الله: فشاذان کیف هو؟ قال: ثقة وجعل یثبته وقال: فی هذا یشنع علینا ! قلت: أفلیس العلماء تلقته بالقبول؟قال: بلی. وقال ابن تیمیة أیضاً فی(3/ل241 أ ): کما فی الحدیث الصحیح المرفوع عن قتادة عن عکرمة عن ابن عباس قال: قال رسول الله (ص): رأیت ربی فی صورة أمرد، له وفرة، جعد ، قطط، فی روضة خضراء. وقال ابن کثیر فی تفسیره:6/448: إسناده علی شرط الصحیح:

http://www.alnilin.com/vb/showthread...8(رحمه الله)page=5(رحمه الله)pp=20

ص: 58

المخطوطة فی جامعة الریاض/ عمادة شؤون المکتبات رقمها:(2590) والموجودة فی المسجد النبوی مصورة عنها وموثقة من قبل المکتبة المذکورة برقم تصویر:551/أ ه-

بتاریخ20 / 3 / 1399).

http://yahosein.sytes.net/vb/showthread.php?t=15104

أقول: معنی شاب أمرد: غلام لم تنبت لحیته . وله وَفْرة: أی شعر طویل الی شحمة الأذن ، (الوفرة: الشعر إلی شحمة الأذن ، ثم الجُمَّة ، ثم اللُّمة ، وهی التی ألمَّت بالمنکبین). (صحاح الجوهری:2/847 ، (کتاب العین:8/280، وغریب الحدیث للحربی:1/321) .

والمضحک فی شکل معبودهم الغلام: أنه له وفرة ویصل شعره الی شحمة أذنه ، وفی نفس الوقت جَعْدٌ قَطَط! وفی لسان العرب:7/380: (القطط: شعر الزنجی. یقال: رجل قطط وشعر قطط وامرأة قطط... وجعدٌ قططٌ ، أی شدید الجعودة). وفی صحاح الجوهری:3/1154: (جعد قطط أی شدیدة الجعودة). وفی مقاییس اللغة:5/13: (الشعر القطط وهو الذی ینزوی خلاف السبط کأنه قط قطاً ). وفی نهایة ابن الأثیر:4/81: (فی حدیث الملاعنة:إن جاءت به جعداً قططاً فهو لفلان. القطط: الشدید الجعودة).

فإذا کانت له وفرةٌ وشعر طویل ، فلا یکون شعره مجعداً قَطَطاَ قصیراً کشعر الزنجی . وإن کان جعداً قططاً فلا یکون له وفرة !

فلا بد أن یکون قصدهم أن هذا الغلام الصنم فی شعره معجزة ، فهو مُجَعَّد خشن قصیر ، ومع ذلک یصل الی شحمة أذنیه ! لکن معناه أن شعره کمکانس البلدیة المتخذة من شوک صحراوی !

ص: 59

الفصل الثالث:المعرفة والعرفان والتصوف

اشارة

ص: 60

ص: 61

معرفة الله تعالی أکبر قیمة فی الحیاة

القضیة الأکبر فی الإسلام ، أو قضیة الإسلام من أعظم زوایاها: أن الله تعالی رب العالمین وخالق الأکوان والإنسان ، قد تجلی لرجل من أبناء إبراهیم من ذریة إسماعیل(صلّی الله علیه و آله وسلّم )وأرسل له سید ملائکته(علیه السّلام) وأنزل علیه رسالة ، فأظهر معجزاته ، لکن قبائل قریش اتحدوا ضده وکذبوه ، وآمن به بعض عشیرته الأقربین وبعض الناس ، وآمنت به مدینة یثرب فهاجر الیها ، وحاربته قریش فانتصر علیها وعلی العرب وکوَّن أمةً ومداً حضاریاً فی مدة قیاسیة .

هذه الحقیقة أثارت فی نفوس الشعوب التی دخلت فی الإسلام قضیة الله تعالی وعبادته ، وولَّدت الإتجاه الی طلب رضا الله تعالی والنجاة من عذابه والخلود فی جنات النعیم ، فصارت القضیة الأولی المعاشة للناس یومها ، وتعامل معها بجدیة أصحاب النفوس الصافیة من مثقفی تلک الشعب وعوامها. فانفتح باب الإجتهاد علی مصراعیه فی کیفیة معرفة الله تعالی وعبادته ، ونشأ التصوف وصار موجة شعبیة تعددت فیها الإجتهادات وتأثرت بثقافات الأدیان والوثنیات !

وعقیدتنا نحن أتباع أهل البیت(علیهم السّلام)أن الله

تعالی لایجوز فی حکمته

ص: 62

أن یترک الأمر للناس لیجتهدوا فی معرفته وعبادته ، وأن القرآن لایکفی لذلک لأنه حَمَّال وجوه، والسنة لاتکفی لأن رواتها مختلفون ومفسروها أکثر اختلافاً ، بل لا بد من تعیین أئمة معصومین بعد النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )لیکونوا قدوات للناس ، یشرحون لهم معرفة الله تعالی فی النظریة ، ویجسدونها التطبیق !

فلم یترک عز وجل أمر معرفته وعبادته مجملاً عائماً ، ولا أوکله الی اجتهاد الناس وظنونهم، بل أمر نبیه(صلّی الله علیه و آله وسلّم )فأخبر الأمة أن الله جعل لها قدوات بعده اثنی عشر ربانیاً من عترته(علیهم السّلام)وأمرها باتِّباعهم

لکن قریشاً سارعت الی أخذ خلافة النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )وعزلت عترته ، وحجبتهم عن الناس ، فلم تعرف الشعوب الجدیدة أن إمامة العترة النبویة(علیهم السّلام)جزءٌ لا یتجزأ من الإسلام ، وأن الله تعالی جعل معرفته وعبادته عن طریقهم حتی لا یختلف الناس ویقعوا فی الضلال .

إن القلیل من الناس من شعوب البلاد المفتوحة استطاع أن یعرف عقیدة الإمامة، من بعض الصحابة الذین کانوا یبلغونها علی تخوف ، لأنها تعنی تخوین النظام واتهام قسم من الصحابة بغصب الخلافة !

وفی غیاب خط أهل البیت(علیهم السّلام)کثرت اجتهادات الناس فی معرفة الله تعالی وعبادته ، خاصة من مثقفی البلاد الذین یعتبرون أنهم أکثر حضارة ومدنیة من العرب ، وأنهم إن فهموا لغتهم فهم أقدر منهم

ص: 63

علی فهم نصوص الدین الذی نزل علیهم ، وفهم أغراضه وأهدافه !

ولذلک برز وُعَّاظٌ وعُبَّادٌ وقراءٌ ومُنَظِّرُون لمعرفة الله وعبادته کلهم من الشعوب غیر العربیة ، وکان مستواهم الذهنی متفوقاً علی غیرهم فاتبعهم العرب أتباع الخلافة ، وجعلوهم مشایخ طرق صوفیة !

التصوف وحبُّ أهل البیت(علیهم السّلام)

کان من الطبیعی أن یبحث شیوخ التصوف عن شخصیات عارفة لله عابدة لیتخذوها قدوة وأن یجدوا أهل البیت(علیهم السّلام)فی طلیعتها .

ولذلک تجد أکثر أصحاب الطرق الصوفیة نسبوا طرقهم الی أویس القرنی(رحمه الله)ثم الی أمیر المؤمنین وأبنائه المعصومین(علیهم السّلام)، وزعموا أنهم أخذوا منهم أفکارهم فی معرفة الله تعالی وعبادته !

ولهذا دخل التشیع بمعنی حب أهل البیت(علیهم السّلام)الی ثقافة الصوفیة عموماً، ودخلت مدائح علی(علیه السّلام)فی أناشیدهم وأذکارهم وأورادهم .

وساعد علی ذلک أن کبار شیوخهم رأوا کرامات ومعجزات مدهشة لأهل البیت(علیهم السّلام)،کما روی ثابت البنانی قال: (کنت حاجاً وجماعة عباد البصرة مثل أیوب السجستانی وصالح المری وعتبة الغلام وحبیب الفارسی ومالک بن دینار ، فلما أن دخلنا مکة رأینا الماء ضیقاً ، وقد اشتد بالناس العطش لقلة الغیث ، ففزع إلینا أهل

ص: 64

مکة والحجاج یسألوننا أن نستسقی لهم ، فأتینا الکعبة وطفنا بها ثم سألنا الله خاضعین متضرعین بها ، فمُنعنا الإجابة .

فبینما نحن کذلک إذْ نحن بفتی قد أقبل وقد أکربته أحزانه وأقلقته أشجانه ، فطاف بالکعبة أشواطاً ثم أقبل علینا فقال: یا مالک بن دینار ویا ثابت البنانی ویا صالح المری ویا عتبة الغلام ویا حبیب الفارسی ویا سعد ویا عمر ویا صالح الأعمی ویا رابعة ویا سعدانة ویا جعفر بن سلیمان ، فقلنا: لبیک وسعدیک یا فتی . فقال: أما فیکم أحد یُحبه الرحمن؟ فقلنا: یا فتی علینا الدعاء وعلیه الإجابة ، فقال: أبعدوا عن الکعبة ، فلو کان فیکم أحد یحبه الرحمن لأجابه !

ثم أتی الکعبة فخر ساجداً ، فسمعته یقول فی سجوده: سیدی بحبک لی إلا سقیتهم الغیث ! قال: فما استتم الکلام حتی أتاهم الغیث کأفواه القرب ! فقلت: یا فتی من أین علمت أنه یحبک ؟ قال: لو لم یحبنی لم یستزرنی ، فلما استزارنی علمت أنه یحبنی ، فسألته بحبه لی فأجابنی . ثم ولی عنا وأنشأ یقول:

من عرف الرب فلم تُغْنِهِ معرفةُ الرب فذاک الشقِی

ما ضر ذو الطاعة ما ناله فی طاعة الله وماذا لقِی

ما یصنع العبدُ بغیر التقی والعز کل العز للمتقِی

فقلت یا أهل مکة من هذا الفتی؟قالوا: علی بن الحسین بن علی بن

ص: 65

أبی طالب).(الإحتجاج:2/48، والصحیفة السجادیة:2/108، ومستدرک الوسائل:6/209).

وفی مناقب آل أبی طالب:3/419: (قال شقیق البلخی: وجدت رجلاً عند فِید(فی طریق الحج) یملأ الإناء من الرمل ویشربه ! فتعجبت من ذلک واستسقیته فسقانی ، فوجدته سویقاً وسکراً..القصة..).

ورواها ابن طلحة الشافعی فی مطالب السؤول/448: (قال هشام بن حاتم الأصم ، قال لی أبو حاتم، قال لی شقیق البلخی: خرجت حاجاً فی سنة تسع وأربعین ومائة ، فنزلت القادسیة فبینا أنا أنظر إلی الناس فی زینتهم وکثرتهم ، فنظرت إلی فتی حسن الوجه شدید السمرة ضعیف فوق ثیابه ثوب من صوف ، مشتمل بشملة فی رجلیه نعلان وقد جلس منفرداً فقلت فی نفسی: هذا الفتی من الصوفیة یرید أن یکون کلاً علی الناس فی طریقهم، والله لأمضین إلیه ولأوبخنه ! فدنوت منه فلما رآنی مقبلاً قال: اجْتَنِبُوا کَثِیراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ ، ثم ترکنی ومضی ! فقلت فی نفسی: إن هذا الأمر عظیم قد تکلم بما فی نفسی ونطق باسمی وما هذا إلا عبدٌ صالح لألحقنه ولأسألنه أن یحالَّنی فأسرعت فی أثره فلم ألحقه وغاب عن عینی . فلما نزلنا واقصة إذْ به یصلی وأعضاؤه تضطرب ودموعه تجری فقلت: هذا صاحبی أمضی إلیه واستحله ، فصبرت حتی جلس وأقبلت نحوه ، فلما رآنی مقبلاً قال لی: یا شقیق أتل: وَإِنِّی لَغَفَّارٌ

ص: 66

لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَی. ثم ترکنی ومضی فقلت: إن هذا الفتی لمن الأبدال ! لقد تکلم علی سری مرتین . فلما نزلنا زُبَالة إذا بالفتی قائمٌ علی البئر وبیده رَکْوَةٌ یرید أن یستقی ماء فسقطت الرکوة من یده فی البئر ، وأنا أنظر إلیه فرأیته قد رمق السماء وسمعته یقول:

أنت ربی إذا ظمئتُ إلی الماء وقُوَّتی إذا أردتُ الطعاما

اللهم سیدی مالی سواها فلا تحرمنیها، قال شقیق: فوالله لقد رأیت البئر وقد ارتفع ماؤها فمد یده فأخذ الرکوة وملأها ماء فتوضأ وصلی أربع رکعات ، ثم مال إلی کثیب رمل فجعل یقبض بیده ویطرحه فی الرکوة ویحرکه ویشرب. فأقبلت إلیه وسلمت علیه فرد علیَّ السلام فقلت: أطعمنی من فضل ما أنعم الله به علیک . فقال: یا شقیق لم تزل نعمه علینا ظاهرة وباطنة ، فأحسن ظنک بربک . ثم ناولنی الرکوة فشربت منها فإذا هو سویق وسکر ! فوالله ما شربت قط ألذَّ منه ولا أطیب ریحاً ، فشبعت ورویت وأقمت أیاماً لا أشتهی طعاماً ولا شراباً ، ثم لم أره حتی دخلنا مکة فرأیته لیلة إلی جنب قُبَّة الشراب فی نصف اللیل قائماً یصلی بخضوع وأنین وبکاء ، فلم یزل کذلک حتی ذهب اللیل ، فلما رأی الفجر جلس فی مصلاه یسبح ثم قام فصلی الغداة، وطاف بالبیت أسبوعاً وخرج، فتبعته وإذا

ص: 67

له غاشیة وموالٍ ، وهو علی خلاف ما رأیته فی الطریق ، ودار به الناس من حوله یسلمون علیه ! فقلت لبعض من یقرب منه: من هذا الفتی؟ فقال: هذا موسی بن جعفر بن محمد بن علی بن الحسین بن علی بن أبی طالب . فقلت:

قد عجبت أن تکون هذه العجائب إلا لمثل هذا السید ! ولقد نظم بعض المتقدمین واقعة شقیق معه فی أبیات طویلة ، اقتصرت علی ذکر بعضها فقال:

سلْ شقیقَ البلخیّ عنه وما شا

هد منه وما الذی کان أبصرْ

قال لما حججت عاینتُ شخصاً

شاحب اللون ناحلَ الجسم أسمرْ

سائراً وحده ولیس له زادٌ

فما زلت دائماً أتفکر

وتوهمتُ أنه یسأل الناس

ولم أدر أنه الحجُّ الاکبر

ثم عاینتهُ ونحنُ نزولٌ

دون فیدٍ علی الکثیب الاحمر

یضع الرمل فی الإناء ویشربْهُ

فنادیته وعقلی محیر

إسقنی شربةً فناولنی منه

فعاینته سَویقاً وسُکر

فسألت الحجیج من یکُ هذا

قیلَ هذا الإمامُ موسی بن جعفر

فهذه الکرامات العالیة الأقدار الخارقة العوائد هی علی التحقق جلیة المناقب وزینة المزایا وغرر الصفات ، ولا یؤتاها إلا من فاضت علیه

ص: 68

العنایة الربانیة أنوار التأیید ، ومرت له أخلاف التوفیق ، وأزلفته من مقام التقدیس والتطهیر وَمَا یُلَقَّاهَا إِلا الَّذِینَ صَبَرُوا وَمَا یُلَقَّاهَا إِلا ذُو حَظٍّ عَظِیمٍ). انتهی.

أهل البیت(علیهم السّلام) دعوا الی معرفة الله تعالی

قال أمیر المؤمنین(علیه السّلام): (أولُ الدین معرفته ، وکمالُ معرفته التصدیق به ، وکمالُ التصدیق به توحیدُه ، وکمالُ توحیده الإخلاصُ له ، وکمالُ الإخلاص له نفیُ الصفات عنه ، لشهادة کلِّ صفة أنها غیر الموصوف ، وشهادة کل موصوف أنه غیر الصفة).(نهج البلاغة:1/14) .

الکافی:8/247: (عن جمیل بن دراج ، عن أبی عبدالله(علیه السّلام)قال: لو یعلم الناس ما فی فضل معرفة الله عز وجل ما مدوا أعینهم إلی ما متع الله به الأعداء من زهرة الحیاة الدنیا ونعیمها ، وکانت دنیاهم أقلَّ عندهم مما یطوونه بأرجلهم ، ولنَعِمُوا بمعرفة الله عز وجل وتلذذوا بها تلذذ من لم یزل فی روضات الجنان مع أولیاء الله .

إن معرفة الله عز وجل أنْسٌ من کل وحشة ، وصاحبٌ من کل وحدة ، ونورٌ من کل ظلمة ، وقوةُ من کل ضعف ، وشفاءٌ من کل سقم . ثم قال(علیه السّلام): وقد کان قبلکم قوم یُقتلون ویحرقون وینشرون بالمناشیر وتضیق علیهم الأرض برحبها ، فما یردهم عما هم علیه

ص: 69

شئ مما هم فیه ، من غیر تِرَةٍ وُتروا من فعل ذلک بهم ولا أذی ، بل ما نقموا منهم إلا أن یؤمنوا بالله العزیز الحمید ، فاسألوا ربکم درجاتهم ، واصبروا علی نوائب دهرکم ، تدرکوا سعیهم ) .

وفی علل الشرائع:1/9: (عن سلمة بن عطاء عن أبی عبد الله(علیه السّلام)قال: خرج الحسین بن علی÷علی أصحابه فقال: أیها الناس إن الله جل ذکره ما خلق العباد إلا لیعرفوه فإذا عرفوه عبدوه ، فإذا عبدوه استغنوا بعبادته عن عبادة من سواه ).

وفی علل الشرائع:1/13: (عن أبی بصیر قال: سألت أبا عبد الله(علیه السّلام) عن قول الله عز وجل: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإنْسَ إِلا لِیَعْبُدُونِ ، قال: خلقهم لیأمرهم بالعبادة ، قال: وسألته عن قول الله عز وجل: وَلا یَزَالُونَ مُخْتَلِفِینَ إِلا مَنْ رَحِمَ رَبُّکَ وَ لِذَلِکَ خَلَقَهُمْ؟ قال: لیفعلوا ما یستوجبون به رحمته فیرحمهم).(أی خلقهم لیتکاملوا بعطائه حسب جهدهم).

شکوی الشیخ الأنصاری(قدسّ سرّه)من مُدَّعی العرفان

بحث علماؤنا رضوان الله علیهم الحد الأدنی الواجب علی المسلم من المعرفة ، واتفقوا علی أنه قلیل مُیَسَّر ، وأنه یکفی للمسلم معرفة الله تعالی

ص: 70

بقدر معنی سورة التوحید ، وکذلک معرفة النبی والأئمة صلوات الله علیهم ، وبقیة العقائد التی جاء بها النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )من العدل والمعاد والآخرة والجنة والنار . ففی الکافی:1/91: (عن عبد العزیز بن المهتدی قال: سألت الرضا(علیه السّلام) عن التوحید فقال: کل من قرأ قل هو الله أحد ، وآمن بها ، فقد عرف التوحید ، قلت: کیف یقرؤها ؟ قال: کما یقرؤها الناس).انتهی.

فالصعوبة إذن لیست فی المعرفة النظریة ، بل فی العمل والتطبیق !

وقد ناقش شیخ الطائفة الأنصاری(قدسّ سرّه)ما ذکره العلامة الحلی(قدسّ سرّه)ویفهم منه أنه یجب علی المسلم أکثر من ذلک ، وبثَّ الشیخ الأنصاری بمناسبته شکواه من مدعی العرفان والعلم ، الذین یغُشُّون الناس باسم معرفة الله تعالی ومعرفة النبی وآله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) ، وهم جهلاء لا یعرفون الفاعل والمفعول ولا البدیهی من الکسبی !

قال(قدسّ سرّه)فی الرسائل:1/275: (وقد ذکر العلامة فی الباب الحادی عشر فیما یجب معرفته علی کل مکلف ، من تفاصیل التوحید والنبوة والإمامة والمعاد ، أموراً لا دلیل علی وجوبها کذلک ، مدعیاً أن الجاهل بها عن نظر وإستدلال خارج عن ربقة الإیمان مستحق للعذاب الدائم ، وهو فی غایة الإشکال . نعم یمکن أن یقال: إن مقتضی عموم وجوب المعرفة مثل قوله تعالی: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإنْسَ إِلا لِیَعْبُدُونِ ، أی لیعرفون . وقوله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): وما أعلم بعد المعرفة أفضل من هذه الصلوات الخمس ، بناء علی أن الأفضلیة من الواجب ، خصوصاً مثل الصلاة ،

ص: 71

تستلزم الوجوب . وکذا عمومات وجوب التفقه فی الدین الشامل للمعارف بقرینة استشهاد الإمام(علیه السّلام) بها لوجوب النفر لمعرفة الإمام بعد موت الإمام السابق(علیه السّلام) وعمومات طلب العلم ، هو وجوب معرفة الله جل ذکره ومعرفة النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )والإمام(علیه السّلام)ومعرفة ما جاء به النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )علی کل قادر یتمکن من تحصیل العلم ، فیجب الفحص حتی یحصل الیأس ، فإن حصل العلم بشئ من هذه التفاصیل اعتقد وتدین به ، وإلا توقف ولم یتدین بالظن لو حصل له .

ومن هنا قد یقال: إن الإشتغال بالعلم المتکفل لمعرفة الله ومعرفة أولیائه صلوات الله علیهم أهم من الإشتغال بعلم المسائل العلمیة ، بل هو المتعین ، لأن العمل یصح عن تقلید ، فلا یکون الإشتغال بعلمه إلا کفائیاً بخلاف المعرفة .

هذا ، ولکن الإنصاف ممن جانب الإعتساف یقتضی الإذعان بعدم التمکن من ذلک إلا للأوحدی من الناس ، لأن المعرفة المذکورة لا تحصل إلا بعد تحصیل قوة استنباط المطالب من الأخبار وقوة نظریة أخری ، لئلا یأخذ بالأخبار المخالفة للبراهین العقلیة ، ومثل هذا الشخص مجتهد فی الفروع قطعاً فیحرم علیه التقلید .

ودعوی جوازه له للضرورة لیس بأولی من دعوی جواز ترک الإشتغال بالمعرفة التی لا تحصل غالباً بالأعمال المبتنیة علی التقلید.

هذا إذا لم یتعین علیه الإفتاء والمرافعة لأجل قلة المجتهدین . وأما فی

ص: 72

مثل زماننا فالأمر واضح . فلا تغتر حینئذ بمن قصر استعداده أو همته عن تحصیل مقدمات استنباط المطالب الإعتقادیة الأصولیة والعلمیة عن الأدلة العقلیة والنقلیة ، فیترکها مبغضاً لها لأن الناس أعداء ما جهلوا، ویشتغل بمعرفة صفات الرب جل ذکره وأوصاف حججه صلوات الله علیهم ، بنظرٍ فی الأخبار لا یعرف به من ألفاظها الفاعل من المفعول ، فضلاً عن معرفة الخاص من العام . وبنظرٍ فی المطالب العقلیة لا یعرف به البدیهیات منها ، ویشتغل فی خلال ذلک بالتشنیع علی حملة الشریعة العملیة واستهزائهم بقصور الفهم وسوء النیة ، فَسَیَأْتِیهِمْ أَنْبَاءُ مَا کَانُوا بِهِ یَسْتَهْزِئُونَ .

هذا کله حال وجوب المعرفة مستقلاً، وأما اعتبار ذلک فی الإسلام أو الإیمان فلا دلیل علیه ، بل یدل علی خلافه الأخبار الکثیرة المفسرة لمعنی الإسلام والإیمان . ففی روایة محمد بن سالم عن أبی جعفر(علیه السّلام) المرویة فی الکافی:إن الله عز وجل بعث محمداً(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) وهو بمکة عشر سنین ، ولم یمت بمکة فی تلک العشر سنین أحد یشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ، إلا أدخله الله الجنة بإقراره وهو إیمان التصدیق ، فإن الظاهر أن حقیقة الإیمان التی یخرج الإنسان بها عن حد الکفر الموجب للخلود فی النار لم تتغیر بعد انتشار الشریعة . نعم ظهر فی الشریعة أمور صارت ضروریة

الثبوت من النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )فیعتبر فی

الإسلام عدم إنکارها . لکن هذا لا یوجب التغییر، فإن المقصود أنه لم یعتبر فی

ص: 73

الإیمان أزید من التوحید والتصدیق بالنبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )وبکونه رسولاً صادقاً فیما یبلغ. ولیس المراد معرفة تفاصیل ذلک ، وإلا لم یکن من آمن بمکة من أهل الجنة أو کان حقیقة الإیمان بعد انتشار الشریعة غیرها فی صدر الإسلام . وفی روایة سلیم بن قیس عن أمیر المؤمنین(علیه السّلام):إن أدنی ما یکون به العبد مؤمناً أن یعرفه الله تبارک وتعالی إیاه فیقر له بالطاعة، ویعرفه نبیه فیقر له بالطاعة ویعرفه إمامه وحجته فی أرضه وشاهده علی خلقه فیقر له بالطاعة . فقلت له: یا أمیر المؤمنین وإن جهل جمیع الأشیاء إلا ماوصفت قال:نعم. وهی صریحة فی المدعی).انتهی.

أقول: وبهذه الشکوی البلیغة من مرجع الطائفة الکبیر الشیخ الأنصاری (قدسّ سرّه)ننبه شبابنا وبناتنا الی خطأ تصورهم وخطأ من یُصور لهم أنه یجب علیهم معرفة الله تعالی بأکثر مما یفتی به مراجع تقلیدهم ! وخطأ تصورهم أن ذلک لا بد أن یکون بواسطة أستاذ یوجههم ویربیهم تربیة الشیخ لمریدیه ، والآمر لمأموریه !

وفی عصرنا زادت أبواب الضلال بخروج أشخاص یَدَّعُون الإرتباط بالإمام المهدی أرواحنا فداه ، وبعضهم یدعی أنه أمره أن یکون سفیره أو ینصب نفسه مرجع تقلید وقائد ثورة! وبعضهم ادعی أنه ابنه ووصیه وسفیره الی العالمین..الخ. وقد وجدوا لهم بعض الأتباع بسبب موجة التدین القویة فی الأمة ، وجهل الناس بدینهم !

ص: 74

ص: 75

العرفان حق لکن صاحبنا لیس هو المطلوب

حدثنی یوماً أستاذی فی النجف عن العرفان والعارفین ، وأن بعضهم أهل کرامات ومکاشفة ، وسمی لی منهم أشخاصاً بعضهم من أهل العلم وبعضهم من الکسبة ، وأخبرنی أنه یحضر أسبوعیاً عند أحدهم ، وأنی أستطیع الحضور ، فشکرته .

وفی الموعد فی بیت أحدهم حضر الأستاذ فرأیت أستاذی والحاضرین احترموه وهابوه ، وتأدبوا بین یدیه وأصغوا بکلهم الیه .

کان درسه أو حدیثه فی شرح آیة الکرسی ، وقد اعتمد علی التصویر والتذکیر أکثر من المطلب العلمی ، فاستفدنا وتأثرنا والحمد لله . وتضمن درسه التالی وما بعده توجیهات مفیدة ، کقوله: کل مشکلات الإنسان من الوهم والخیال ، والوهم هو الخوف غیر الشرعی ، والخیال هو الأمل غیر الشرعی . وقوله: أنظر أمامک فی الصلاة عند محل سجودک ، وأرْخِ عینیک ولا تحدق ، مع ما استفدناه منه(رحمه الله)من أفکار عن مراقبة النفس ومجاهدتها إن طمحت الی الحرام أو المکروه، وإجبارها إن استعصت علی فعل الخیر وقیام اللیل...الخ. وکانت فترة نافعة بما فیها تکالیف الأستاذ فی مراقبة النفس، وکان أنفعها برامج العبادة الیومیة ، والإعتکاف فی مسجد الکوفة ثلاثة أیام، وزیارة الإمام الحسین(علیه السّلام)سیراً علی الأقدام .

ص: 76

ومضت الأیام لأکتشف فی هذا الأستاذ ما لا أحب ، رأیته یأکل دائماً بنَهَمٍ ، ویتخیر أنواع الأطعمة ، ویتحدث عنها بلهفة وإسهاب ، ورأیته یأکل المال أکلاً لمّا ، وبعض ما یأخذه برأیی حرام ، ثم رأیته لا یتحمل إشکالاً حتی لو کان علمیاً ، وأشکل شخص علیه فکرهه کرهاً غلیظاً ، ولم یغفر له (ذنبه) بل لم یکن یترک فرصة إلا وانتقده وطعن علیه ، بما فیه وما لیس فیه ! وآخر ما وصلت الیه من التأمل فی حالة هذا الأستاذ: أن طریق العرفان ومراقبة النفس حق ، لکن صاحبنا لیس هو المطلوب !

غیر أنک ستعتبر صاحبنا قدیساً بالنسبة الی بعض من یدعی العرفان ! عندما تجد فیهم قاتل النفس المحترمة بالمعنی الحقیقی للقتل! وتجد فیهم الکذاب المزیف ، وصاحب الدکان ، وناصب الفخ لصید بسطاء العوام !

فالعرفان عند هؤلاء البؤساء لیس أکثر من تعلم لقلقة اللسان ، فهو طریقٌ لتحقیق الذات ، ونیل الشهرة ، وکسب السحت من المال !

وهؤلاء لیسوا أبناء الیوم ، فهم ظاهرة قدیمة من مطلع الإسلام ، وقبل الإسلام فی المسیحیة والیهودیة ! ولو

ألَّفْتَ فیهم کتاباً لملأته بطرائف قصصهم وغرائبها ، لکنه یضر أکثر مما ینفع ، لأن بعض قرائه سیفرط فی الحکم ویکفر بکل العرفان والعارفین، مع أن فیهم أخیاراً أبراراً أهل حق وصدق ، وفیهم أولیاء الله ، لو أقسم أحدهم علی الله لأبرَّ قسمه !

وأبلغ ما قرأت فی تحلیل شخصیاتهم ما علمنا إیاه الإمام زین العابدین(علیه السّلام)فقال: (إذا رأیتم الرجل قد حَسَّنَ سَمْتَه وهَدْیَه ،

ص: 77

وتَمَاوَتَ فی منطقه ، وتَخَاضَعَ فی حرکاته ، فَرُوَیْداَ لا یَغُرَّنَّکم ، فما أکثر من یعجزه تناول الدنیا ورکوب الحرام منها لضعف نیته ومهانته وجُبن قلبه ، فنصب الدین فخّاً لها ، فهو لا یزال یَخْتِلُ الناس بظاهره ، فإن تمکن من حرام اقتحمه .

وإذا وجدتموه یَعِفُّ عن المال الحرام ، فرویداً لا یغرنکم ، فإن شهوات الخلق مختلفة ، فما أکثر من یَنْبُو عن المال الحرام وإن کثر، ویحمل نفسه علی شَوْهاء قبیحة فیأتی منها مُحَرَّماً .

فإذا وجدتموه یَعِفُّ عن ذلک فرویداً لا یَغُرَّنَّکُم ، حتی تنظروا ما عَقَدَهُ عقله ، فما أکثر من ترک ذلک أجمع ، ثم لا یرجع إلی عقل متین ، فیکون ما یفسده بجهله أکثر مما یصلحه بعقله .

فإذا وجدتم عقله متیناً ، فرویداً لا یغرکم ، حتی تنظروا أمع هواه یکون علی عقله ، أو یکون مع عقله علی هواه ، وکیف محبته للرئاسات الباطلة وزهده فیها ؟ فإنَّ فی الناس من خسر الدنیا والآخرة بترک الدنیا للدنیا ! ویری أن لذة الرئاسة الباطلة أفضل من لذة الأموال والنعم المباحة المحللة ، فیترک ذلک أجمع طلباً للرئاسة حتی إذا قیل له اتَّقِ الله أخذته العزَّةُ بالإثم ، فحسبه جهنم ولبئس المهاد ! فهو یخبط خبط عشواء ، یقوده أول باطل إلی أبعد غایات الخسارة ، ویمدُّه ربه بعد طلبه لما لا یقدر علیه فی طغیانه ! فهو

ص: 78

یُحِلُّ ما حَرَّم الله ویُحَرِّم ما أحل الله ، لا یبالی بما فات من دینه إذا سلمت له رئاسته التی قد یتقی من أجلها ! فأولئک الذین غضب الله علیهم ولعنهم وأعد لهم عذاباً مهیناً .

ولکن الرجل کلَّ الرجل نعمَ الرجل ، هو الذی جعل هواه تبعاً لأمر الله ، وقواه مبذولةً فی رضا الله ، یری الذلَّ مع الحق أقرب إلی عز الأبد من العز فی الباطل ، ویعلم أن قلیل ما یحتمله من ضرائها یؤدیه إلی دوام النعیم فی دار لا تَبید ولا تَنْفَد ، وأن کثیر ما یلحقه من سرائها إن اتبع هواه یؤدیه إلی عذاب لا انقطاع له ولا زوال . فذلکم الرجل نعم الرجل ، فبه فتمسکوا وبسنته فاقتدوا ، وإلی ربکم به فتوسلوا ،فإنه لا تُرَدُّ له دعوة ولا تَخِیبُ له طَلِبَة). (الإحتجاج:1/54).

وفی الکافی:1/49، عن الإمام الصادق(علیه السّلام)قال: (طلبة العلم ثلاثة فاعرفهم بأعیانهم وصفاتهم: صنفٌ یطلبه للجهل والمراء ، وصنف یطلبه للإستطالة والختل ، وصنف یطلبه للفقه والعقل . فصاحب الجهل والمراء مُوذٍ مُمَارٍ متعرضٌ للمقال فی أندیة الرجال ، بتذاکر العلم وصفة الحلم ، قد تسربل بالخشوع وتخلی من الورع! فدق الله من هذا خیشومه وقطع منه حیزومه !

وصاحب الإستطالة والختل ذو خب وملق ، یستطیل علی مثله من أشباهه ، ویتواضع للأغنیاء من دونه ، فهو لحلوائهم هاضم ، ولدینه حاطم فأعمی الله علی هذا خبره ، وقطع من آثار العلماء أثره !

ص: 79

وصاحب الفقه والعقل ، ذو کآبة وحزن وسهر ، قد تحنک فی بُرْنُسه وقام اللیل فی حَندسه ، یعمل ویخشی ، وجلاً داعیاً مشفقاً ، مقبلاً علی شانه ، عارفاً بأهل زمانه ، مستوحشاً من أوثق إخوانه ، فشدَّ الله من هذا أرکانه ، وأعطاه یوم القیامة أمانه) .

خطر الدعوة الی معرفة الله بمعرفة النفس

کان التصوف فی الأمة وما زال تیاراً قویاً وجذاباً ، وبسبب بُعده عن أهل البیت(علیهم السّلام)کان الخطأ فیه أکثر من الصواب ، والکذابون أکثر من الصادقین ، ولقلقة

اللسان أکثر من عقد الجنان .

أما دلیله العلمی فأشهره منهج معرفة الله تعالی عن طریق معرفة النفس وقد نظَّرَ له المتأثرون بالفلسفة الیونانیة وکتبوا فیه واستدلوا لها بآیات وأحادیث ، وهو الطریقة الأکثر رواجاً فی قم والنجف وغیرهما .

ومن أعلامه السید الطباطبائی صاحب تفسیر المیزان(رحمه الله)وهذه فقرات من کلامه المطول فی تفسیره:6/169: (فی الغرر والدرر للآمدی عن علی(علیه السّلام)قال: من عرف نفسه عرف ربه. أقول ورواه الفریقان عن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) أیضاً وهو حدیث مشهور ، وقد ذکر بعض العلماء أنه من تعلیق المحال ومفاده استحالة معرفة النفس لاستحالة الإحاطة العلمیة بالله سبحانه. ورُدَّ أولاً، بقوله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )فی روایة أخری:أعرفکم بنفسه أعرفکم بربه. وثانیاً،بأن الحدیث فی معنی عکس النقیض لقوله تعالی: وَلا تَکُونُوا کَالَّذِینَ نَسُوا اللهَ فَأَنْسَاهُمْ

ص: 80

أَنْفُسَهُمْ . وفیه عنه(علیه السّلام): قال الکیِّس من عرف نفسه وأخلص أعماله...

وفیه عنه(علیه السّلام)قال: المعرفة بالنفس أنفع المعرفتین. أقول: الظاهر أن المراد بالمعرفتین المعرفة بالآیات الأنفسیة والمعرفة بالآیات الآفاقیة، قال تعالی: سَنُرِیهِمْ آیَاتِنَا فِی الأفَاقِ وَفِی أَنْفُسِهِمْ حَتَّی یَتَبَیَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَ لَمْ یَکْفِ بِرَبِّکَ أَنَّهُ عَلَی کُلِّ شَئٍْ شَهِیدٌ.(حم السجده:53)وقال تعالی: وَفِی الأَرْضِ آیَاتٌ لِلْمُوقِنِینَ وَفِی أَنْفُسِکُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ.(الذاریات: 21). وکون السیر الأنفسی

أنفع من السیر الآفاقی لعله لکون المعرفة النفسانیة لاتنفک عادةً من إصلاح أوصافها وأعمالها بخلاف المعرفة الآفاقیة....وهذا موقف علمی یهدی الإنسان إلی تکالیف ووظائف بالنسبة إلی ربه وبالنسبة إلی أبناء نوعه فی الحیاة الدنیا والحیاة الآخرة ، وهی التی نسمیها بالدین...

فتلخص مما ذکرنا أن النظر فی الآیات الأنفسیة والآفاقیة ومعرفة الله سبحانه ، بها یهتدی الإنسان إلی التمسک بالدین الحق والشریعة الإلهیة....

وفی الدرر والغرر عن علی(علیه السّلام)قال: العارف من عرف نفسه فأعتقها ونزهها عن کل ما یبعدها . أقول: أی أعتقها عن إسارة الهوی وَرِقِّیة الشهوات . وفیه، عنه(علیه السّلام)قال: أعظم الجهل جهل الإنسان أمر نفسه...

وأما سائر الفرق المذهبیة ، من الهنود کالجوکیة أصحاب الأنفاس والأوهام ، وکأصحاب الروحانیات ، وأصحاب الحکمة ، وغیرهم ، فلکل طائفة منهم ریاضات شاقة عملیة لا تخلو عن العزلة وتحریم اللذائذ الشهوانیة علی النفس... وأما البوذیة فبناء مذهبهم علی تهذیب النفس

ص: 81

ومخالفة هواها وتحریم لذائذها علیها ، للحصول علی حقیقة المعرفة...

وأما الصابئون ، ونعنی بهم أصحاب الروحانیات ، فهم وإن أنکروا أمرالنبوة ، غیر أن لهم فی طریق الوصول إلی کمال المعرفة النفسانیة طرقاً لا تختلف کثیراً عن طرق البراهمة والبوذیین...

وهؤلاء وإن اختلفوا فیما بین أنفسهم بعض الإختلاف فی العقائد العامة الراجعة إلی الخلق والایجاد ، لکنهم متفقوا الرأی فی وجوب ترویض النفس للحصول علی کمال المعرفة وسعادة النشأة .

وأما المانویة من الثنویة ، فاستقرار مذهبهم علی کون النفس من عالم النور العلوی وهبوطها إلی هذه الشبکات المادیة المظلمة المسماة بالأبدان ، وأن سعادتها وکمالها التخلص من دار الظلمة إلی ساحة النور ، إما اختیاراً بالترویض النفسانی ، وإما اضطراراً بالموت الطبیعی المعروف.

وأما أهل الکتاب ونعنی بهم الیهود والنصاری والمجوس ، فکتبهم المقدسة وهی العهد العتیق والعهد الجدید وأوستا ، مشحونة بالدعوة إلی إصلاح النفس وتهذیبها ومخالفة هواها...وأما الفرق المختلفة من أصحاب الإرتیاضات والأعمال النفسیة ، کأصحاب السحر والسیمیاء ، وأصحاب الطلسمات وتسخیر الأرواح والجن ، وروحانیات الحروف والکواکب وغیرها ، وأصحاب الإحضار وتسخیر النفوس ، فلکل منهم ارتیاضات نفسیة خاصة تنتج نوعاً من السلطة علی أمر النفس....

وجملة الأمر علی مایتحصل من جمیع مامرَّ: أن الوجهة الأخیرة لجمیع

ص: 82

أرباب الأدیان والمذاهب والأعمال هو تهذیب النفس بترک هواها ، والإشتغال بتطهیرها من شوب الأخلاق والأحوال غیر المناسبة للمطلوب..

فالأعمال والمجاهدات والإرتیاضات الدینیة ترجع جمیعاً إلی نوع من الإشتغال بأمر النفس...فظهر بهذا البیان أن الأدیان والمذاهب علی اختلاف سننها وطرقها تروم الإشتغال بأمر النفس فی الجملة، سواء علم بذلک المنتحلون بها أم لم یعلموا...

إیاک أن یشتبه علیک الأمر فتستنتج من الأبحاث السابقة أن الدین هو العرفان والتصوف، أعنی معرفة النفس کما توهمه بعض الباحثین من المادیین.... والتأمل العمیق فی جمیع الأدیان والنحل یعطی أنها مشتملة نوع اشتمال علی هذا الروح الحی حتی الوثنیة والثنویة ، وإنما وقع الإختلاف فی تطبیق السنة الدینیة علی هذا الأصل والإصابة والخطأ فیه...

واعلم أن عرفان النفس بغیةٌ عملیة لایحصل تمام المعرفة بها إلا من طریق السلوک العملی دون النظری...). انتهی .

نقد هذه الدعوة

ما ذکره(قدسّ سرّه)من الطریقین لمعرفة الله تعالی: النظر فی الآفاق والنظر فی الأنفس، مطلبٌ شائع بین العرفانیین والمتصوفة ،والظاهر أنهم أخذوه من قوله تعالی: سَنُرِیهِمْ آیَاتِنَا فِی الأفَاقِ وَفِی أَنْفُسِهِمْ حَتَّی یَتَبَیَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ . والبحث فیه متشعب ، نکتفی منه بملاحظات:

1- مما یدل علی أن معرفة الله تعالی لا یمکن أن تتحقق إلا عن

ص: 83

طریق الأئمة المعصومین(علیهم السّلام): أن الله تعالی عندما أرسل نبیه(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) وأنزل علیه کتابه ، فقد حدد طریق معرفته وعبادته بما أنزله علی رسوله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ). وعندما بلغ النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )أمته فقال: إنی تارک فیکم الثقلین کتاب الله وعترتی، وأنهما لایفترقان الی یوم القیامة ، فقد حدد طریق معرفة الله تعالی وعبادته بهما. فالقرآن هو الأصل وأئمة العترة(علیهم السّلام)هم الشرح . والقرآن هو الدستور وهم المفسرون الشرعیون له القُوَّام علی تطبیقه . وبذلک انتهی الأمر ولم یبق مجال للفذلکة والفلسفة !

ودلیل آخر علی أن أهل البیت(علیهم السّلام)بهم یُعْرفُ الله تعالی وبهم یُعبد: أن معرفته وعبادته تحتاج الی علم وتجسد عملی ، ولن تجد العلم الصحیح بالله إلا عندهم ، ولا التجسید الصحیح لمعرفته تعالی وعبادته إلا فیهم . وقد رأیت أن الذین ترکوهم افتقروا من العلم فالتجؤوا الی الحاخام کعب الأحبار ، فشبهوا الله تعالی وجسدوه ، ولم یقفوا فی انحدارهم حتی جعلوا ربهم شاباً أمرد وعبدوه ! فأی فکر هذا ، وأی معرفة لخالق الکون ، وأی عبادة لرب العالمین؟!!

2- بحثَ فقهاؤنا الحد الأدنی الواجب من معرفة الله تعالی ، ولم یذکر أحد منهم أن من طرقه التأمل فی النفس ! بل نصَّت الأحادیث الصحیحة علی أن المعرفة من صنع الله تعالی ، ففی الکافی:1/163: (عن محمد بن حکیم قال: قلت لأبی عبدالله(علیه السّلام): المعرفة من صُنْع من

ص: 84

هی؟ قال: من صُنع الله لیس للعباد فیها صنع) .

3- سند حدیث: "من عرف نفسه فقد عرف ربه"غیر تام ، وهو مروی عن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )، وعن أمیر المؤمنین(علیه السّلام)، وأقوی ما یستدل به لتصحیحه أن بعض علماء الحدیث تلقاه بالقبول .

وعلی فرض صحته فهو یدل علی أن الإنسان کلما عرف نفسه بالإمکان والنقصان ، عرف ربه بالوجوب والکمال ، فهو یدعو الی ترکیز النظر علی محدودیة النفس ومحاسبتها ومکافحة العجب والغرور ، ولا یدل علی أن معرفة النفس طریق معرفة الله تعالی .

بینما یریدون له أن یکون منهجاً للمعرفة ، وأن الإنسان یصل به الی مقامات ودرجات کدرجات الأولیاء والأنبیاء صلوات الله علیهم ! لأن الإنسان کما یدعون موضع تجلی الله تعالی وخلیفته فی أرضه..الخ. وهم بذلک ینفخون فی ذاتیته ویوهمونه أنه ولی کبیر لله تعالی ، أو إلهٌ صغیر! وهذا نقیض معنی الحدیث !

4- لو سلمنا أن مقولة معرفة الله تعالی عن طریق معرفة النفس، صحیحة وقطعیة ، لکن الکلام فیما یحدث عندما ندعو الیها الناس !

إن الذی حدث وسیحدث أنک تقدم لعوام الناس ومتعلمیهم باسم الدین ، دعوةً مبهمةً الی معرفة الله تعالی عن طریق معرفة أنفسهم والتأمل فیها ، وسرعان ما یجدوا فیها مشروعاً لتحقیق الذات

ص: 85

وتضخیمها وادعاء صاحبها أنه بالإستغراق فی نفسه سیملک طاقات عظیمة ، ویبلغ مقامات خیالیة ! کما تری فی نماذجهم مع الاسف !

جاءنی مجموعة شباب وکهول قالوا إنهم من (أهل السلوک والعرفان) ومن عاشقی الإمام المهدی(علیه السّلام)الذین یأملون بالفوز بلقائه روحی فداه ، وأن یکونوا من أصحابه الخاصین ! فسألتهم عن دراستهم فأخذ یجیبنی شیخهم بأنه درَّسهم عدداً من کتب العرفان لفلان وفلان، ومطالب من کتب ابن عربی !

وتعمدت أن أسمع منهم فسمعت کلام عوام متحفزین لتحقیق ذواتهم بهذا الحزب الجدید الذی دلهم علیه شیخهم! وقدَّرت أنهم أقرب الی المقاتلین والحرامیة منهم الی المتدینین! لکن(شیخهم)لم یسمح لی أن أواصل الإستماع الیهم،فطرح مطلبه منی أن أعطیهم برنامجاً لمعرفة الإمام المهدی(علیه السّلام) بالنورانیة، حیث أکملوا معرفته بالولایة وبالطریقة الفلانیة والفلانیة ، ووصلوا الی معرفة الإمام(علیه السّلام)بالنورانیة ، فهم یریدون أن یروه صلوات الله علیه بالتجلی النورانی !

فأجبتهم: لا بأس، لکن أول البرنامج أن تمضی علیکم ستة أشهر لاتترکوا فیها واجباً ولا ترتکبوا فیها حراماً فی عمل ولا قول ، وأن تتورعوا عن کل ما لا یلیق بالأخیار ! وشرحت لهم خطأ أن یکون هدف الإنسان من العرفان مشاهدة منامات وعلامات وآیات عن

ص: 86

المقام الذی وصل الیه،أو اللقاء بأولیاء الله العظماء کالإمام المهدی أرواحنا فداه ، فإن صاحب هذه النیة یعمل للدنیا ولیس لله تعالی !

طبعاً لم یرتاحوا منی ! ولا أقول إنهم ضحایا دعوة العرفان عن طریق معرفة النفس ، بل ضحایا أنفسهم

الأمارة ، وقد وجدوا فی هذه الدعوة خصوبة لهواهم فتلبسوها !

عندما أقول لرجل أو امرأة: إنک تستطیع أن تکون من أهل السلوک والعرفان، ولا یکلفک ذلک إلا أن تعرف نفسک وتتأمل فیها فتُفَجِّر بذلک طاقاتها العظیمة! فعلیَّ أن أدرک الی أین دفعت هذا الشخص!

إن حب الذات أقوی غرائز الإنسان ، واعتقاده بحصول العرفان ومقاماته بدون تحدید الوسائل والأهداف ، یجعله أمام خطر عبادة الذات وتعظیمها ، فیتخیل أنه وصل إلی الله تعالی وصار صاحب أسرار إلهیة ! ویزین له الشیطان عالماً من نسج خیاله ، ویدفعه الی الإدعاءات الباطلة ، أعاذنا الله وجمیع المؤمنین .

أمَا کان الأحری بدل ذلک أن توجهه الی العمل، وترک المحرمات وأداء الواجبات، وأن یدقق فی مکسبه ومأکله ومشربه هل هو حلالٌ زکیّ أم خبیثٌ ردیّ؟ وفی سلوکه مع من هم تحت یده ، هل هو لهم أبٌ رفیق ، أو أخٌ شفیق ، أم علیهم کالسبع الضاری ؟!

وفی عقائده بربه عز وجل ونبیه(صلّی الله علیه و آله وسلّم )وما أنزل الله علیه، وأئمته(علیهم السّلام)

ص: 87

وسیرتهم ومناقبهم . وإیمانه بآخرته ویقینه بها ، ومعایشته لعوالم عقیدته وأجوائها ؟! ونظرته الی لناس ورحمته لهم عامة، وحبه لمن کان له فی رسول الله وآله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )نصیب . وعمله لخدمتهم..الخ.

ومن جهة أخری ، تنطوی دعوة الناس لمعرفة الله عن طریق التأمل بالنفس ، علی خطر أن تصیر أداةً لتعذیب الذات وسوء ظن الإنسان بنفسه والناس ، ثم تتحول حالة تعذیب الذات عند صاحبها أداة لقمع الآخرین وتعذیبهم باسم العرفان وتزکیة النفس! وبإمکانک أن تجد فی مدعی الإشتغال بالعرفان وتزکیة النفس نماذج من القساة الذین یشتمون الناس فی مواعظهم ، وکأنهم یثأرون منهم !

وفی کلتا الحالتین حالة تعظیم النفس وحالة تعذیبها ، یتضمن هذا السلوک خطورة أن ینسی أصحابه أولویة تطبیق أحکام الشریعة ! وینسی التعرف علی طریقة أهل البیت(علیهم السّلام)فی معرفة الله تعالی .

5- من الأدلة الواضحة علی أن دعوتهم عائمة مبهمة ، أنها تتسع للضد والنقیض فی الأسالیب والأهداف والقدوات ! فبعض دعوات معرفة الله عن طریق معرفة النفس تتبنی العزلة والرهبنة ، وبعضها یتبنی إصلاح النفس والمجتمع والعمل لتسلم السلطة، وبعضها یدعوإلی التقید بأحکام الشریعة حسب هذا المذهب أو ذاک ، وبعضها یدعو إلی تقلید الأستاذ شیخ الطریقة أو أستاذ الأخلاق ، ویدعی له

ص: 88

أنه متعمق فی العرفان متصلٌ بالله تعالی فیُلهم العقائد والأحکام ولا یحتاج إلی شریعة ! وبعضهم لایحتاج الی نبوة !

وبعض الدعوات تجعل قدوتها بعض الصحابة أو الأولیاء الذین لم یجعلهم الله ولا رسوله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )قدوة ! وبعضهم یجعل قدوته عرفاء ومتصوفة غیر مسلمین.. إلی آخر أنواعهم .

ولهذا ، لو قلنا لإنسان إعرف الله تعالی عن طریق معرفة نفسک ، فمن حقه أن یسألنا: کیف؟ بجهادها زتعذیبها؟أو بتعظیمها ونفخها؟

أما عندما نقول له: إقتدِ بأستاذک حتی تصل الی الله تعالی ثم تصیر أنت أستاذاً ! فنحن ندعوه الی معرفة الله تعالی بطاعة شخص والتحزب له ، وما أیسر أن یدخل الشیطان فی هذا الحزب !

5- لاشک أن النظر فی ملکوت السماوات والأرض، أی فیما یمکن للإنسان فهمه من خلقهما وقوانیهما ویأخذ العبرة منه، أمرٌ محبوب شرعاً ، یؤثر زیادة الإیمان بالله تعالی ومعرفته . قال تعالی: أَوَ لَمْ یَنْظُرُوا فِی مَلَکُوتِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللهُ مِنْ شَئٍْ وَأَنْ عَسَی أَنْ یَکُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ فَبِأَیِّ حَدِیثٍ بَعْدَهُ یُؤْمِنُونَ. (الاعراف:185) ، لکن لم أجد سنداً للحدیث الذی ذکره(رحمه الله):"المعرفة بالنفس أنفع المعرفتین"، وأستبعد أن یکون حدیثاً أصلاً !

ثم إن نفس الإنسان جزءٌ من الملکوت والآفاق لاقسیمها ولا مقابلها ،

ص: 89

فلماذا لایکون مقابل معرفة الله بالنفس معرفة الله بالله تعالی ، أو معرفته بأنبیائه وأولیائه ، وآیاته الأخری ، فلا وجه لحصر المقابلة بالتأمل بالآفاق.

وإذا شملت المعرفة بالسیر الآفاقی معرفة الله بالله تعالی وبأولیائه(علیهم السّلام)، فلا یصح تفضیل معرفته عن طریق النفس علیها؟!

6- ما دامت معرفة النفس طریقاً إلی عبادة الله ، وما دامت عبادته عز وجل غایة الخلق وطریق التکامل الوحید ، ولا تحصل إلا بطاعته وطاعة رسوله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )وأهل بیته(علیهم السّلام). فالدعوة الی تطبیق الشریعة مقدم رتبةً علی التأمل فی النفس،وکذلک الإقتداء بالنبی وآله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )، فلا بد فی الدعوة إلی العرفان من دعوة المسلم الی إطاعة الأحکام الشرعیة حسب فتوی مرجع تقلیده ، وأن یتخذ من النبی وآله صلی الله علیه وعلیهم قدوة وأئمة فی المسلک والسلوک . ولذا أجاب أحد الفقهاء الکبار شخصاً سأله: ما هو العرفان وکیف یکون الإنسان عارفاً ؟ فقال: هذه الأحکام الشرعیة التی تطبقها یومیاً فتصلی وتصوم وتقوم بالواجبات وبعض المستحبات ، وتترک المحرمات ، هی العرفان ، وأنت بسلوکک هذا تمارس المعرفة .

هذا ، وقد بینا عقیدة أهل البیت(علیهم السّلام)فی الله تعالی مقارنة بعقائد الآخرین البائسة ، فی کتاب الوهابیة والتوحید ، وکتاب ألف سؤال وإشکال علی المخالفین لأهل البیت الطاهرین(علیهم السّلام)وکتاب الإنتصار .

وبحثنا بعض مسائل الموضوع فی المجلد الأول من العقائد الإسلامیة ، وناقشنا بعض أتباع هذا الإتجاه فی شبکات النت:

ص: 90

العقائد الإسلامیة ج:1http://www.alameli.org/Library/Aqaed1/index.asp

موضوع: من المشکل أن ندعو الناس الی معرفة الله عن طریق معرفة النفس:

http://www.hajr.us/forum/showthread.php?s=22233404fb16e0b10533de604bc444f4(رحمه الله)t=402779407

معنی قول أمیر المؤمنین(علیه السّلام): من عرف نفسه فقد عرف ربه:

http://www.hajr.us/forum/showthread.php?s=22233404fb16e0b10533de604bc444f4(رحمه الله)t=402780094(رحمه الله)highlight=%DD%DE%CF(قدسّ سرّه)%DA%D1%DD(قدسّ سرّه)%E4%DD%D3%E5

ولکنی وجدتک أهلاً للعبادة فعبدتک

قال أمیر المؤمنین(علیه السّلام)فی مناجاته: إلهی ما عبدتک خوفاً من عقابک، ولا رغبةً فی ثوابک، ولکنی وجدتک أهلاً للعبادة فعبدتک).

وقد روته مصادرنا وشرحه علماؤنا ، قال ابن میثم البحرانی(رحمه الله)فی شرح مائة کلمة لأمیر المؤمنین(علیه السّلام)/219:(قد حَذَفَ کلَّ

ما سوی الحق تعالی عن درجة الإعتبار ولم یلحظ معه غیره ، وذلک هو الوصول التام ).ونسبه السید الخوئی(قدسّ سرّه)بنحو الجزم،فقال فی البیان/477: (قال أمیر المؤمنین وسید الموحدین صلوات الله علیه: ما عبدتک خوفاً من نارک..الخ.).فلا عبرة بمن نسبه الی رابعة العدویة ، المتأخرة عن عصر علی(علیه السّلام)قرناً ونصفاً ، حیث توفیت سنة180.(سیر الذهبی:8/243)

وقد أخطأ بعضهم فی فهم معنی حدیث أمیر المؤمنین(علیه السّلام)، فتصور أنه(علیه السّلام)ینفی أن یکون عنده خوفٌ من عذاب الله تعالی ، أو طمعٌ فی جنته ، مع أنه لا ینفی ذلک ، بل یقول إنه یوجد معهما دافع

ص: 91

أقوی منهما فی شخصیته(علیه السّلام)هو أن الله سبحانه أهل للعبادة، وأن هذا الدافع أقوی المحرکات فی نفسه . وتوضیحه: أن الذی یرید الصلاة مثلاً ، یوجد عنده عادةً أحد ثلاثة دوافع لها: دافعُ الخوف من عذاب الله ، والطمع فی ثوابه ، أو دافعُ الریاء . ویوجد عند أفراد نادرین دافعٌ رابع ، هو أنه یحب ربه ویراه أهلاً لأن یصلی له . والحرام هو الصلاة ریاء للناس ، والمقبول أن یصلی لله تعالی ، بأی دافع یرجع الیه ، کامتثال أمره أو طلب رزقه أو جنته أو حباً له.. الخ.

وعندما یتحرک الإنسان للعمل بأحد هذه الدوافع فلیس معناه عدم وجود الدوافع الأخری ، بل معناه أن أحدها کان فعالاً ، والباقی موجود مساعد أو غیر فعال .

قال الشهید الثانی(قدسّ سرّه)فی روض الجنان/27:(ویجب فی الوضوء النیة وهی لغة مطلق العزم والإرادة...وغایة الجمیع التقرب إلی الله تعالی، بمعنی موافقة إرادته أو طلب الرفعة عنده تعالی، بواسطة نیل الثواب تشبیهاً بالقرب المکانی ، وکلتاهما محصلة للإمتثال مخرجة عن العهدة، وإن کان بین المنزلتین بعد المشرقین . وفی حکم الثانیة الخوف من العقاب . وإلی الأولی أشار أمیر المؤمنین علی (علیه السّلام)بقوله: ما عبدتک خوفاً من نارک ولا طمعاً فی جنتک ولکن وجدتک أهلاً للعبادة فعبدتک) .

والنتیجة: أن عمله(علیه السّلام)بدافع حب الله تعالی واستحقاقه للعبادة ، عملٌ

ص: 92

بدافع فوق خوف العذاب وطمع الثواب ، ولا ینفی وجود الخوف والرجاء فی نفسه بأعلی درجاتهما ، وإن لم یتحرک بهما.

نقد بعض المثقفین نیة التقرب الی الله تعالی

ما الذی لا یعجب المثقفین المتغربین من اشتراط الإسلام فی عمل الإنسان نیة التقرب الی الله تعالی ، ویقبل أن یکون التقرب طمعاً فی جنته ، وخوفاً من عقابه ؟

یقولون: إن الموعودات الإسلامیة فی القرآن والسنة ، تجعل عمل الخیر تجاریاً ، خوفاً من السوط وعذاب النار ، أو طمعاً فی الجنة وقصورها وحورها . بینما العقل یقول: إعمل الخیر لأنه خیر ، لأنه یرضی ذاتک ویحقق إنسانیتک ، فهذا مستوی أعلی من تجارة المتدینین السوقیة ! وهو کلام ظاهره حسن، لکنه فی التحلیل خاطئ لأنه طوبائی غیر عملی ، فهو یجعل الدافع للعمل تحقیق الذات الدنیویة ، والدنیا لاتتسع لتحقیق ذوات الناس ورغباتهم وطموحاتهم فیقع بینها التعارض والتضارب لا محالة ، لأنه کثیراً ما یکون تحقیق الذات بالإضرار بالآخرین ومنعهم من تحقیق ذواتهم .

ص: 93

وها نحن نری أن تحقیق الذات بالإضرار بالآخرین حالة سائدة فی مجتمعات العالم ومنها المجتمعات الغربیة ! وبسببها یکثر فی الناس الشر ویقل الخیر .

إنه لا حلَّ لهذا التضارب إلا بتطویر مفهوم حب الذات ، وتوسیع حقل تحقیقها لیشمل الآخرة ، وهذا ما یفعله الدین فیجعل عمل الخیر والإیثار تحقیقاً للذات فی الآخرة الخالدة .

إن نیة القربة التی تتسع لخوف العقاب والطمع بالجزاء ، دعوةٌ الی تحقیق الذات فی الآخرة ، وهو أمرٌ مقدس خال من صراعات الدنیا.

إن غریزة حب الذات فی الإنسان أقوی الغرائز ، ولا یمکن إزالتها ولا حل إلا تطویرها ووضع قانون التعویض والجزاء فی مستقبل الإنسان فی حیاته الثانیة ، وبدون ذلک لایمکن تحریکه لعمل الخیر ولا منعه من عمل الشر .

قد یقال: إن فطرة الإنسان وعقله تکفیان لدفعه الی الخیر ومنعه من الشر .

والجواب: أنه لا یمکن المراهنة علی ذلک وإقامة مجتمع علیه ، خاصة وأن نوازع الشر بقدر نوازع الخیر: وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا. وما دام الدافع الذاتی غیر مضمون فلا بد من دافع

ص: 94

مضمون یعود علی صاحبه بالنفع من عمل الخیر للآخرین وکف شره عنهم، وهذا هو قانون الجزاء الإسلامی بالثواب والعقاب.

ثم ، إن منتقدی الحالة التجاریة فی عمل الخیر ، یدَّعون أنهم یعیشون مشاعر السمو الإنسانی ، ویقولون إنا إنسانیون نعمل الخیر بدافع تحقیق ذاتنا وإنسانیتنا، ولا نرید علیه جزاءً ولا شکوراً ، لا من الناس ولا من الله تعالی !

فهل هم کذلک واقعاً ، أم هی لقلقة لسان ، کمدعی العرفان ؟

ولو سلمنا وجود هذا الدافع (الإنسانی)فیهم ، فهل یُضمن بقاؤه فی کل الحالات؟ ولو سلمنا بقاءه ، فهل المجتمع الذی یراد دفعه الی الخیر کله مثلهم؟! ثم ، ألیس تحقیق ذاتهم الإنسانیة وإرضاءها جزاءً معنویاً ، یشبه الجزاء الدینی؟

إن الإسلام دینٌ عملی واقعی ، فکما أنه لا یترک الدعوة لعمل الخیر للدوافع المثالیة غیر المضمونة ! کذلک لا یتخوف من تعبیر التجارة والربح والخسارة ، فکل حیاة الإنسان وأعماله مبنیةٌ علی حساب الربح لوجوده والخسارة !

ص: 95

لذلک جاء نداء الله تعالی لعباده المؤمنین، بواقعیة ووضوح:

یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّکُمْ عَلَی تِجَارَةٍ تُنْجِیکُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِیمٍ . تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِی سَبِیلِ اللهِ بِأَمْوَالِکُمْ وَأَنْفُسِکُمْ ذَلِکُمْ خَیْرٌ لَکُمْ إِنْ کُنْتُمْ تَعْلَمُونَ . یَغْفِرْ لَکُمْ ذُنُوبَکُمْ وَیُدْخِلْکُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِی مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ وَمَسَاکِنَ طَیِّبَةً فِی جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِکَ الْفَوْزُ الْعَظِیمُ. وَأُخْرَی تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللهِ وَفَتْحٌ قَرِیبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِین. (سورة الصف:10-13)

ویقول عز وجل: إِنَّ الَّذِینَ یَتْلُونَ کِتَابَ اللهِ وَأَقَامُوا الصَّلَوةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلانِیَةً یَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ . لِیُوَفِّیَهُمْ أُجُورَهُمْ وَیَزِیدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَکُورٌ . (سورة فاطر:29-30) .

تم ، والحمد لله رب العالمین .

ص: 96

ص: 97

فهرس الموضوعات

الفصل الأول :معرفة وجود الله والإیمان به عز وجل

الإلحاد أسوأ من الجنون........................................7

.هل یتعمد الملحد الإنحراف عن الفطرة؟......................8

الکوْن.. لم یکن ثم کان..فکیف بدأ؟..........................10

لماذا یهرب الملحد من البحث العلمی...............11

الطرق العلمیة لمعرفة الله تعالی......................15

من استدلالات أهل البیت الطاهرین(علیهم السّلام)......18

تعریفات ومصطلحات.........................23

الفصل الثانی: توحید الله تعالی وصفاته

من أدلة توحید الله عز وجل..................................33

استغلال الوهابیة لأقسام التوحید.....................34

الأسماء الحسنی والصفات..........................37

الإلحاد فی أسماء الله تعالی وصفاته...................39

ص: 98

أنواع الضلال من الإلحاد فی الأسماء الحسنی...........40

مسألة الرؤیة أصل کل الخلاف فی الصفات........41

ظهر ادعاء الرؤیة بالعین فی زمن عمر......................42

الوهابیة هم حشویة الحنابلة...................47

تجاهل الوهابیة مذهب الصحابة النافین للرؤیة.............48

هاجموا أمهم عائشة وأساؤوا معها الأدب.................49

من الرؤیة بالعین الی عبادة الشاب الأمرد !.................54

الفصل الثالث :المعرفة والعرفان والتصوف

معرفة الله أکبر قیمة فی الحیاة.................61

التصوف وحبُّ أهل البیت(علیهم السّلام)...........63

أهل البیت(علیهم السّلام)دعوا الی معرفة الله تعالی.....68

شکوی الشیخ الأنصاری(قدسّ سرّه)من مُدَّعی العرفان..69

العرفان حق لکن صاحبنا لیس هو المطلوب..........................................................74

خطر الدعوة الی معرفة الله بمعرفة النفس........78

نقد هذه الدعوة........................................81

ولکنی وجدتک أهلاً للعبادة فعبدتک...............89

نقد بعض المثقفین نیة التقرب الی الله تعالی.......91

ص: 99

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.